ثم أنه ذكر أن الشك فيه جهتان ، جهة كونه صفة نفسانية ، وجهة كونه موجبا لتحير الشاك ، وهو مأخوذ في موضوعات الأحكام الظاهرية من الجهة الثانية ، ويمكن أن لا يكون للأحكام الواقعية إطلاق بالقياس إلى الشك من هذه الجهة (١).
وفيه : ان الإهمال النّفس الأمري كما اعترف به قدسسره غير معقول ، فان كان الحكم الواقعي بالقياس إلى طرو الشك فيه مطلقا لزم التضاد ، وان كان مقيدا بعدمه لزم التصويب ، من غير فرق بين أن يكون المأخوذ في موضوع الأحكام الظاهرية الشك بما أنه صفة نفسانية ، أو بما أنه موجب للتحير.
هذا ما أفيد من الأجوبة في دفع إشكال التضاد ، وقد عرفت المناقشة فيها.
فالتحقيق أن يقال : أنه وإن وقع الخلاف في حقيقة الأحكام التكليفية وانها ما هي ، لكنا ذكرنا أنها عبارة عن اعتبار المولى أمرا على ذمة المكلف ، كاعتبار الدين على ذمة المديون عقلا وشرعا ، ولذا عبّر عن الأحكام الإلهية في بعض الروايات بالدين ، كما ورد في باب قضاء الصلاة الفائتة «أن دين الله أحق أن يقضى» فليس الحكم إلّا اعتبار الشيء على رقبة المكلف فعلا أو تركا ، ومن الواضح أن الاعتبار خفيف المئونة ، فلا مضادة بين اعتبارين ذاتا.
نعم الاعتبار في باب التكاليف الواقعية يكون مسبوقا بالشوق أو الكراهة والمصلحة أو المفسدة ، كما أنه ملحوق بأمرين ، إنشاؤه في الخارج ، ووصوله الموجب لتحريك العبد في مقام الامتثال ، فهو وسط بين أمور أربعة ، فمضادة الاعتبارين لا بد وأن يكون بالعرض ، اما من ناحية المبدأ ، واما من ناحية المنتهى ، فالتكليفان الإلزاميان أحدهما بفعل شيء والآخر بتركه وان كانا اعتبارين ، ولا مضادة بينهما ذاتا ، ولكن حيث أن الإلزام بالفعل ناشئ عن الشوق به أو ثبوت مصلحة فيه ،
__________________
(١) فوائد الأصول : ٣ ـ ١١٥.