الأمارات ، فالظاهر أنها بنفس دليل حجيتها تقوم مقام القطع الطريقي المحض ، وتترتب عليها آثاره من المنجزية والمعذورية ، وذلك لأن حكم الشارع في ظرف الشك بالبناء على وفق الحالة السابقة على أنها هي الواقع يكون بيانا ويرتفع به موضوع قبح العقاب بلا بيان ، فيكون منجزا ومعذرا كما في القطع الطريقي.
وأما قيامها مقام القطع المأخوذ في الموضوع على وجه الطريقية فهناك تفصيل ، وذلك لأن في القطع جهتين بعد كونه صفة نفسانية مزيلة للتحير والتزلزل ، إحداهما : جهة كونه انكشافا للواقع ، ثانيتهما : جهة كونه اعتقادا أي موجبا للالتزام القلبي على طبقه وخضوع النّفس له ، ولهذه الحيثية قد يعبر عن القطع بالاعتقاد المشتق من العقد. وربما يحصل الانفكاك بين الجهتين ، إذ لا ملازمة بينهما ، كما يشعر إليه قوله تعالى (وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ)(١) فانه ليس المراد من الإنكار مجرد الإنكار باللفظ ، أي الكذب الموجب للفسق ، بل المراد الإنكار القلبي ، فربما يتيقن الإنسان وليس له عقد القلب والالتزام على وفقه ، وعليه فان كان القطع الموضوعي مأخوذا في الحكم من الجهة الأولى وبما أنه محرز فلا معنى حينئذ لقيام الأصول المحرزة مقامه ، لأنها لا تكون محرزة للواقع حتى تعبدا ، وكيف يمكن جعلها محرزة للواقع مع أن الشك في الواقع مأخوذ في موضوعها ، وربما يرجع مثل هذا الجعل إلى الجمع بين متناقضين.
وأما ان كان مأخوذا في الموضوع من الجهة الثانية ، أي من حيث كونه موجبا لعقد القلب على طبقه مقدمة للعمل على وفقه ، فتقوم الأصول المحرزة مقامه ، وذلك لأن مفاد أدلتها هو عقد القلب والبناء العملي على أحد طرفي الشك على أنه هو الواقع ، ولا ينافي الحكم بعقد القلب والبناء العملي على ذلك مع أخذ الشك في
__________________
(١) النمل : ١٤.