واما الآية الناهية عن إلقاء النّفس في التهلكة ، فان أريد من التهلكة فيها الهلكة الدنيوية ، فلا ريب في كون الإلقاء فيها محرما ، إلّا أن ارتكاب مورد الشبهة ليس فيه احتمال الهلكة ، وأن أريد منها الهلكة الأخروية أعنى العقاب ، فالحكم بترك إلقاء النّفس في الهلكة ، حينئذ لا يكون إلّا إرشادا ، ضرورة انه لا يترتب على إيقاع النّفس في العقاب الأخروي عقاب آخر. وكيف كان لا يصح التمسك بالآية في المقام ، فان الأصولي يرى ثبوت المؤمن من العقاب ، فلا أثر لهذا النهي.
واما التقوي المأمور بها في الآية الّذي هو بمعنى التحفظ فمتعلقه ان كان هو العقاب الأخروي فارتكاب الشبهة غير مناف له ، إذ المفروض ثبوت المؤمن من العقاب في مورده ، وان كان غيره من الوقوع في المفاسد الواقعية ونحوه فهو غير واجب قطعا ، ولذا اتفق العلماء حتى الأخباريين على جواز الرجوع إلى البراءة في الشبهات الموضوعية مطلقا ، وفي الحكمية إذا كانت وجوبية ، مع كون الارتكاب فيها منافيا للتقوى بهذا المعنى.
الاستدلال بالروايات على الاحتياط
الثاني : الاخبار ، وهي على طائفتين :
الطائفة الأولى : ما دل على الأمر بالوقوف عند الشبهة كقوله عليهالسلام في ذيل مقبولة عمر بن حنظلة «إذا كان ذلك فأرجه حتى تلقى إمامك ، فان الوقوف عند الشبهات خير من الاقتحام في الهلكات» (١) وقوله عليهالسلام في رواية أخرى «لا تجامعوا في النكاح على الشبهة ، وقفوا عند الشبهة ، إلى ان قال : فان الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام في الهلكة» (٢) ونظير هذه الاخبار قوله عليهالسلام في بعض أخبار التثليث
__________________
(١) وسائل الشيعة : ١٨ ـ باب ٩ من أبواب صفات القاضي ، ح ١.
(٢) وسائل الشيعة : ١٤ ـ باب ١٥٧ من أبواب مقدمات النكاح ، ح ٢.