حتى لو لم نقل باستحالة التسلسل ، لما ذكرناه من ان مجرد الأمر المولوي ولو لم يكن متناهيا لا يكون محركا للعبد ما لم يكن له إلزام من ناحية العقل ، فلا بد وان ينتهي الأمر المولوي في مقام المحركية نحو العمل إلى الإلزام العقلي ، فلا مناص من ان يجعل الأمر الوارد في مورده إرشادا إلى ذلك ، وهو بخلاف الأمر بالاحتياط ، فان حسن الاحتياط وان كان من المستقلات العقلية الواقعة في سلسلة معلولات الأحكام الواقعية ، إلّا ان العقل بما أنه لا يستقل بلزوم الاحتياط فلا مانع من ان يأمر به المولى مولويا ، حرصا على إدراك الواقع ، لزوما كما يراه الاخباري ، أو استحبابا كما نراه. وبالجملة المناط في الحكم الإرشادي كونه من المستقلات العقلية التي لا يعقل فيها ثبوت الحكم المولوي ، لكونه لغوا أو لغير ذلك. واما مجرد وقوع الشيء في سلسلة معلولات الأحكام ومقام امتثالها فهو غير مانع من الأمر به مولويا ، وعليه فالامر بالاحتياط مولوي ، غايته انه يحمل على الاستحباب بقرينة ثبوت الترخيص في الترك المستفاد من اخبار البراءة.
واما الأمر الثاني : فقد ذكرنا في بحث التعبدي والتوصلي ان الأوامر مطلقا توصلية تسقط بإتيان متعلقاتها خارجا ، غاية الأمر ان متعلق الأمر في التوصليات هو ذات العمل ، وفي التعبديات مقيدة بالإتيان به مضافا إلى المولى ، وهذا القيد مأخوذ في متعلق الأمر الأول على المختار ، أو متعلق للأمر الثاني كما اختاره المحقق النائيني (١) رحمهالله.
وعلى كل من المسلكين ما اعتبر في العبادة ليس خصوص قصد الأمر ، بل المأخوذ فيها عنوان جامع القربة ، وإضافة العمل إلى المولى سبحانه بأي نحو كان ، وهو كما يحصل بقصد الأمر الواقعي يحصل بقصد الأمر الاحتياطي المتعلق بذات
__________________
(١) فوائد الأصول : ١ ـ ١٦١ ـ ١٦٢.