الجهة الثالثة : في بيان صحة التمسك بعمومات الأدلة المانعة عن العمل بغير العلم لإثبات حرمة العمل بمشكوك الحجية ، وتقريبه : على ما يظهر من كلام الشيخ قدسسره هو أن نسبة أدلة الحجية إلى الأدلة المانعة نسبة المخصص إلى العام ، فالشك في حجية شيء يكون شكا في التخصيص ، والمحكم فيه عموم العام.
وأورد عليه المحقق النائيني (١) بأن أدلة حجية الأمارات حاكمة على الأدلة المانعة ، فان دليل حجية خبر الثقة مثلا يخرجه عن موضوع دليل المنع أعني به غير العلم ، فيكون ذلك علما تعبدا ، فعند الشك في حجية شيء تكون الشبهة مصداقية ، ولا يجوز التمسك فيها بالعموم.
وفيه : أولا : ان الحجية كما عرفت لا أثر لها ما لم تصل ، فالحكومة إنما هي بعد الوصول ، فان خبر الثقة إنما يكون علما تعبديا بعد إحراز حجيته.
وثانيا : انه على ذلك لا يمكن التمسك بعمومات أدلة الأصول العملية عند احتمال وجود حجة على خلافها ، سواء كان احتمال وجود الحجة من قبيل الشبهات الحكمية أو الموضوعية ، فلو أخبر العدل الواحد برؤية المطر على ما كان معلوم النجاسة لم يجز التمسك باستصحاب بقاء نجاسته ، لاحتمال أن يكون خبر الواحد حجة في الموضوعات ، كما انه عليه لو احتملنا قيام حجة واقعا على ثبوت حكم إلزامي في موارد الشبهة البدوية لا يمكننا إجراء البراءة ، وذلك واضح البطلان.
وثالثا : لو لم يمكن التمسك بها عند الشك في حجية شيء لكان صدورها بكثرتها لغوا محضا ، فان من الواضح خروج ما يقطع بحجيتها من مورد العمومات ، ولا فائدة في اختصاصها بما يقطع بعدم حجيتها ، فإذا لم تشمل مشكوك الحجية كان صدورها لغوا. وتوهم كونها صادرة للإرشاد إلى ما حكم به العقل ، يدفعه ما بيناه من
__________________
(١) أجود التقريرات : ٢ ـ ٨٧.