في نفسها.
ثم انه ربما يتوهم ان اخبار التوقف والاحتياط على تقدير تمامية دلالتها تتقدم على اخبار البراءة بتقريب : ان حديث الرفع ونحوه انما يرفع ما لا يعلم من الأحكام ، ووجوب الاحتياط بناء على استفادته من الاخبار معلوم ، فهو خارج مما لا يعلم.
ولكن ذلك انما يتم لو كان الاحتياط واجبا لنفسه ، واما لو كان وجوبه طريقيا ، فالمترتب عليه هو لزوم امتثال الحكم الواقعي المجهول ، وحديث الرفع يرفعه ، فتقع المعارضة بين الدليلين لا محالة ، وقد عرفت تقدم حديث الرفع وأمثاله على أدلة الاحتياط.
الاستدلال على الاحتياط بحكم العقل
الثالث : مما استدل به على وجوب الاحتياط هو حكم العقل. وتقريبه على أنحاء.
الأول : ان كل مسلم يعلم إجمالا في أول بلوغه بتكاليف إلزامية ، وليس في البين ما يوجب انحلاله ، فان الطرق والأمارات انما تثبت أحكاما في مواردها ، وليس لها تعرض لنفي أحكام أخر ثابتة في غير مواردها. وبعبارة أخرى : العلم الإجمالي بثبوت التكاليف قد نجز الأحكام الواقعية على تقدير ثبوتها ، وليس الطرق والأمارات رافعة لتنجزها ، بيان ذلك : انه لا بد في انحلال العلم الإجمالي من ثبوت دليل على نفي التكليف عن بعض الأطراف ، اما مطابقة واما التزاما ، وإلّا فالتنجز يبقى على حاله ، ففيما إذا كان المعلوم بالإجمال تكليفا مرددا بين امرين ، كالعلم الإجمالي بوجوب الصلاة مرددة بين الظهر والجمعة ، يكون قيام الأمارة على تعيين التكليف في أحد الطرفين نافيا له في الطرف الآخر بالالتزام ، فينحل به العلم الإجمالي. واما لو فرضنا ان المعلوم بالإجمال أحكام كثيرة لا تعين لها ، فقيام الدليل