لا يجتمعان ، فبتحقق أحدهما يرتفع الآخر قهرا ، كما في جميع الأضداد ، وكما لا معنى للقول بان كل شيء حرام واقعا حتى يصدر فيه إباحة ، لا معنى للقول بان كل شيء مطلق واقعا حتى يصدر فيه نهي.
واما الثاني : فلأن جعل وصول النهي غاية للحكم بالإباحة مستلزم للقول بالتصويب ، المجمع على بطلانه. فتعين أن يكون المراد بالإطلاق الإباحة الظاهرية ، وعليه لا بد وأن يكون المراد بالورود الوصول ، فان صدور الحرمة الواقعية لا يكون رافعا للحكم بالإباحة الظاهرية بالضرورة ما لم يحرز ذلك ، فيكون مفاد الرواية ان كل شيء مطلق ظاهرا حتى يصل فيه نهي.
وبما ذكرناه من كون المراد بالإطلاق الإباحة الظاهرية علم ان الموضوع في القضية هو الشيء المشكوك فيه ، لا الشيء بعنوانه الواقعي ، وبإطلاقه يستدل على حكم الشبهة الموضوعية والحكمية ، فدلالة الرواية على البراءة الشرعية في غاية الظهور.
ثم لا يخفى ان في جريان أصالة عدم صدور النهي التي تمسك بها صاحب الكفاية (١) في المقام بيانا سيأتي ، وسيظهر لك أنه على تقدير جريانها لا تصل النوبة إلى جريان أدلة البراءة أصلا.
الاستدلال على البراءة بالإجماع
الثالث : من الوجوه المستدل بها للبراءة هو الإجماع. وتقريبه على أنحاء.
الأول : دعوى اتفاق الأصوليين والأخباريين على قبح العقاب من دون بيان ، وعدم استحقاق العقاب على مخالفة التكليف غير الواصل.
__________________
(١) كفاية الأصول : ٢ ـ ١٧٧.