والحق عدم شمولها لشيء من الأطراف. أما البراءة العقلية ، فعدم جريانها واضح ، بعد تمامية البيان في مورد العلم الإجمالي ، ووصول التكليف إلى المكلف صغرى وكبرى. وأما الأصول الشرعية ، فلأن شمول أدلتها لبعض الأطراف معينا ترجيح بلا مرجح ، والبعض غير المعين لا يحتمل تعلق الإلزام به واقعا ليحكم بإباحته ظاهرا ، بل الغالب يقطع بإباحة بعض الأطراف ، وعلى تقدير احتمال ثبوت التكليف في جميع الأطراف لا أثر للحكم بإباحة أحدهما غير المعين بعد وجوب الاجتناب عن جميع الأطراف مقدمة للاجتناب عن الحرام المعلوم ، وإلى هذا أشار الشيخ رحمهالله بما مضمونه أن مورد جريان الأصل انما هو المشكوك ، وليس هو إلّا كل واحد من الأطراف بخصوصه ، وأما عنوان أحدهما فليس من المشكوك فيه ، نعم قد يكون بعض الأطراف غير المعين عند المكلف مشكوك الحكم ، إلّا أن جريان الأصل فيه لا يترتب عليه أثر من حيث العمل لعدم تعينه.
وان شئت قلت : أن كل واحد من أطراف العلم الإجمالي وإن كان بنفسه مشكوكا فيه ، إلّا ان شمول الدليل له مع عدم شموله لغيره غير معقول ، ومن دون شموله لغيره بلا مرجح. وأما عنوان أحدهما غير المعين فلا شك فيه غالبا ، إذا الغالب في موارد العلم بالإلزام يعلم بعدمه في بعض الأطراف. واما تقدير الشك فيه والحكم بإباحته شرعا فهو لا يزيد على القطع بها ، فكما أن القطع بها لا ينافي وجوب الاجتناب عن الأطراف بحكم العقل لاحتمال العقاب ، كذلك التعبد بها لا ينافي ذلك بالضرورة.
فتحصل أن أدلة الأصول إذا لم تشمل جميع أطراف العلم الإجمالي لا تشمل بعضها أيضا. نعم يبقى الكلام في احتمال شمولها لجميع الأطراف تخييرا ، بأن يلتزم بجريانها في كل منها على تقدير عدم ارتكاب الآخر ، لتكون النتيجة اكتفاء المولى بالموافقة الاحتمالية. ولا بد قبل ذلك من بيان أمر ، وهو أن التخيير يمكن أن يكون