وسنتعرض له عن قريب إن شاء الله تعالى. هذا كله في أخذ القطع بالحكم في موضوع نفسه.
وأما أخذه في موضوع مثله كما لو قال : إذا قطعت بوجوب الصلاة يجب عليك الصلاة بوجوب آخر ، فقد ظهر إمكانه بما قدمناه ، لأنه يرجع الحكم الثاني إلى التأكيد ، ولا يلزم منه اجتماع المثلين أصلا ، كما إذا تعلق النذر بالإتيان بواجب أو أخذ ذلك شرطا في ضمن عقد فانه موجب للتأكد ، ولا إشكال فيه.
وأما أخذه في موضوع ضده ، كما لو قال : إذا قطعت بوجوب الصلاة يحرم عليك الصلاة مثلا فاستحالته واضحة ، لاستلزامه اجتماع الضدين واقعا لو كان قطعه مصادفا للواقع ، وفي نظر القاطع لو كان مخالفا ، فيستحيل فعلية مثل هذا الحكم ، فيستحيل إنشائه. هذا كله في أخذ القطع الطريقي في الحكم بأنحائه.
بقي الكلام في القطع الموضوعي الاصطلاحي ، وهو القطع المتعلق بالموضوع الخارجي الّذي له دخل في الحكم أو المتعلق بالحكم إذا كان مأخوذا في موضوع حكم آخر يخالفه أو يماثله لا مضاده ، والقسم المتقدم وإن كان موضوعيا بمعنى إلّا أنه غير الاصطلاحي كما هو واضح.
وليعلم أولا أن المراد من القطع الموضوعي ليس القطع المأخوذ في لسان الدليل فقط ، وإنما المراد منه القطع المأخوذ في موضوع الحكم الواقعي ، فانه ربما يؤخذ القطع في لسان الدليل مع أنه غير دخيل في الحكم ، بل يكون أخذه في لسان الدليل من جهة طريقيته للواقع وأنه أظهر أفراد الطرق وأصنافه ، فليس ذلك قطعا موضوعيا ، وأمثلته كثيرة ، منها قوله تعالى : (حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ)(١) فان الحكم بوجوب الإمساك مترتب على طلوع الفجر واقعا ومع ذلك
__________________
(١) البقرة : ١٨٧.