جرى فيه على العمل بالظهورات مطلقا ، ألا ترى انهم لا يعذرون العبد إذا اعتذر عن مخالفة ظاهر كلام مولاه بعدم حصول الظن له بالوفاق ، أو بحصول الظن له بالخلاف. والتوهم المزبور إنما نشأ من الخلط بين المقامين.
واما الثاني : فقد ذهب صاحب القوانين (١) إلى اختصاص حجية الظهور بمن قصد إفهامه ، وعليه رتب انسداد باب العلم والعلمي في معظم الأحكام. واستدل عليه بوجوه.
منها : ان المنشأ في أصالة الظهور أصالة عدم الغفلة ، فانه إذا كان المتكلم في مقام البيان ، والسامع في مقام الاستماع وفهم المراد ، ولم يظهر له قرينة على الخلاف ، فاحتمال إرادة خلاف الظاهر حينئذ لا يتصور له منشأ إلّا أحد أمرين.
الأول : تعمد المتكلم في عدم إتيانه بالقرينة ، وهو خلاف الفرض.
الثاني : غفلة المتكلم عن نصب القرينة ، أو السامع عن الالتفات إليها ، والأصل عدم الغفلة في كل منهما. وهذا هو الأصل في حجية الظاهر ، وعليه فمن لم يقصد إفهامه حيث لا يجري في حقه أصالة عدم الغفلة ، فلا يمكنه التمسك بظواهر الكلام.
وفيه : ان أصالة عدم الغفلة ولو لم تكن جارية في حق من لم يقصد إفهامه إلّا أنها ليست أصلا لأصالة الظهور ، بل كل منهما أصل برأسه ، وبينهما عموم من وجه ، فتفترق أصالة عدم الغفلة عن أصالة الظهور في فعل البالغ العاقل إذا احتمل صدوره منه غفلة ، وتفترق أصالة الظهور عنها في كلام النبي والإمام ، إذ لا يحتمل الغفلة فيه أصلا ، ويجتمعان في كلمات أهل العرف في محاوراته ، فأصالة الظهور بنفسها أصل عقلائي تجري بالقياس إلى من قصد إفهامه ومن لم يقصد ، كان حاضرا مجلس
__________________
(١) القوانين : ١ ـ ٣٩٨ ، ٤٠٣.