والإلزام بالترك ناشئ عن كراهة الفعل أو ثبوت مفسدة فيه ، واجتماع الأمرين مستحيل كما هو واضح ، فتقع المضادة بين التكليفين بواسطة المبدأ ، وكذلك بواسطة المنتهى ، فان المكلف بعد وصول كلا التكليفين إليه لا يمكنه امتثالهما معا ، وهكذا الكلام فيما إذا تعلق تكليف إلزامي وتكليف ترخيصي بشيء واحد. وهذا التضاد العرضي إنما يلزم فيما إذا كان الحكمان كلاهما واقعيين ، أو كلاهما ظاهريين.
واما فيما إذا كان أحد التكليفين واقعيا والآخر ظاهريا فلا مضادة بينهما. أما من ناحية المبدأ فلما أفاده في الكفاية (١) من أن الأحكام الظاهرية ناشئة عن مصالح في جعلها ، والأحكام الواقعية ناشئة عن المصلحة في متعلقاتها ، سواء كانت راجعة إلى المكلف ـ بالكسر ـ فيما أمكن ذلك ، أو إلى المكلف ـ بالفتح ـ كما في الأحكام الشرعية ، فلا يلزم من اجتماعهما وجود المصلحة والمفسدة أو وجود المصلحة أو المفسدة وعدمه في شيء واحد ، وهكذا الشوق والكراهة ، ففي الأحكام الواقعية يكون الشوق أو الكراهة متعلقا بنفس المتعلق ، وفي الأحكام الظاهرية بنفس الجعل ، كما في إيجاب الاحتياط حفظا للواقع ، أو جعل البراءة تسهيلا على المكلفين.
واما من ناحية المنتهى ، فلأنه لا يعقل وصولها معا إلى المكلف ، إذ عند وصول الحكم الواقعي لا يبقى موضوع للحكم الظاهري ، وما لم يصل الحكم الواقعي يكون الواصل هو الحكم الظاهري فقط ، فأين وصولهما عرضا ليبقى المكلف متحيرا في مقام الامتثال؟! ولعل ما ذكرناه من اختلاف الحكمين سنخا هو مراد بعض الأعلام من توجيه الإشكال باختلاف المحمول.
هذا كله في إمكان التعبد بغير العلم.
المقام الثاني : وقوع التعبد بالأمارات الظنية.
__________________
(١) كفاية الأصول : ٢ ـ ٥٠.