واما الجهة الثانية : أعني حجية القطع وكونه مما يصح أن يحتج به العبد على مولاه عند موافقة القطع للواقع ، وربما يعبر عن هذا المعنى بوجوب متابعة القطع ولزومه ، فالأقوال فيها ثلاثة :
الأول : ما اختاره في الكفاية (١) وهو انّ حجية القطع بمعنى وجوب متابعته والعمل على طبقه من لوازمه الذاتيّة ، بل زاد على هذا مؤثريته في ذلك حيث قال : وتأثيره في ذلك لازم وصريح الوجدان به شاهد.
الثاني : أن تكون ببناء العقلاء ، وعليه تكون داخلة في القضايا المشهورة باصطلاح المنطقيين ، وهي القضايا التي بنى عليها العقلاء حفظا للنظام وإبقاء للنوع ، ومرجع جميعها إلى حسن العدل وقبح الظلم ، وبما انّ الشارع رئيس العقلاء ولم يردع عن هذا البناء يكون ممضى عنده فيجب اتباعه.
الثالث : أن يكون بحكم العقل وإلزامه.
والتحقيق : انّ القول الثالث لا يمكننا المساعدة عليه ، لأن العقل ليس شأنه إلّا الإدراك ، وأما الإلزام والبعث أو الزجر فهو من وظائف المولى وشئونه ، نعم الإنسان بما أنه حيوان يكون محبا لنفسه فبحسب جبلته يتحرك نحو ما يراه منفعة لنفسه ، ويفر عما يراه ضررا على نفسه دنيويا كان أو أخرويا ، وبعبارة أخرى : الحيوان بما هو حيوان يميل بفطرته إلى مشتهيات نفسه ويجتنب عما ينافر طبعه ، ولكن هذا المعنى أجنبي عن إلزام العقل.
وامّا القول الثاني فالعقلاء وان بنوا على أحكام وقضايا حفظا للنظام وإبقاء للنوع كما ذكر ، إذ لو لا قبح الظلم لتعدى كل قوي على ضعيف واختل النظام ، ولكنها أجنبية عن المقام.
__________________
(١) كفاية الأصول : ٢ ـ ٨.