الاحتياط انما هو في الموارد التي لم يعلم اهتمام الشارع بها ، كما في موارد الدماء والفروج بل الأموال الخطيرة. واما فيها فلا مجال للكشف المزبور ، فان العلم بعدم رضاء الشارع بالاحتياط في معظم أحكامه ، وعدم ابتناء امر الشريعة على الامتثال الاحتمالي لا ينافي وجوب الاحتياط في موارد خاصة ، كما ان العقل عند عدم التمكن من الامتثال القطعي في جميع الموارد لا يتنزل إلى الامتثال الظني مطلقا ، بل يحكم بوجوب الامتثال القطعي في الموارد المهمة ، وينزل إلى الامتثال الظني في غيرها.
هذا كله في تقريب المقدمات وبيان نتيجتها.
واما تحقيق أصل المقدمات :
فالمقدمة الأولى : بيّنة بديهية ، فان العلم الإجمالي بوجود تكاليف فعلية بعثية أو زجرية يقتضي التعرض لامتثالها ، ولا يجوز الرجوع إلى البراءة في جميعها ، حتى بناء على ما سلكه صاحب الكفاية رحمهالله من عدم تنجيز العلم الإجمالي فيما إذا لم يتمكن المكلف من الموافقة القطعية للاضطرار إلى بعض أطرافه (١) تركا أو فعلا ، فان ذلك انما هو فيما إذا كان التكليف المعلوم بالإجمال واحدا أو اثنين ونحوهما مما لا يلزم من المخالفة في مورده محذور الخروج من الدين. واما في مثل المقام مما كان الرجوع إلى البراءة مستلزما لتجويز المخالفة في معظم الأحكام الشرعية المعبر عنها بالخروج عن الدين فلا يجوز الرجوع فيه إلى البراءة قطعا ، نعم وجوب التعرض لامتثال الأحكام في الجملة على مسلك تنجيز العلم الإجمالي حتى مع الاضطرار إلى بعض الأطراف مستند إلى قصور شمول أدلة الأصول للمقام ، واما على ما سلكه في الكفاية فهو مستند إلى استكشاف أهمية الشارع بأحكامه ، وعدم رضائه بمخالفتها كلية.
هذا وقد ذكرنا ان منشأ العلم الإجمالي بالتكاليف يكون أحد أمور ثلاثة :
__________________
(١) كفاية الأصول : ٢ ـ ٢١٦.