الحجة على التكليف ، وكما يكون البيان أمرا ذاتيا غير محتاج إلى الجعل كالقطع ، يكون أمرا جعليا كالأمارات وغيرها ، والجعل بيد المولى ، والعقل بمعزل عن ذلك ، إذ ليس وظيفته التشريع ، فلا معنى لجعله الظن حجة بعد عدم كونه حجة في نفسه. نعم يحكم العقل بلزوم امتثال التكليف الواصل ، ففيما نحن فيه يستقل العقل بلزوم الاحتياط التام أو الناقص. وبالجملة معنى الكشف في المقام كشف العقل عن تمامية المقدمات المزبورة حجية الظن شرعا ، ومعنى الحكومة حكمه بلزوم الامتثال الظني عن تعذر الامتثال القطعي ، وبين الأمرين بون بعيد.
فظهر بما ذكرناه ان منشأ القولين أعني الكشف والحكومة هو اختلاف التقريبين كما عرفت. والنتيجة على كلا التقديرين مهملة ، فعلى الأول لا بد من الاقتصار على المتيقن ، فلو كان الظن الاطمئناني وافيا بمعظم الفقه لم يبق مجال للرجوع إلى الظن النازل منه ، فلا يستكشف حينئذ حجية غيره إلّا إذا لم يكن الاطمئناني وافيا ، وهكذا فالترتيب في مراتب الظنون يكون من العالي إلى الداني. واما على الثاني فينعكس الأمر ، والترتيب يكون من الداني إلى العالي ، فأولا يحكم بطرح الموهومات ثم المشكوكات ثم المظنون بالظن الضعيف وهكذا.
ثم لا يخفى انه يمكن أن يكون مراد المحقق الخراسانيّ قدسسره من الحكومة في المقام ما أشرنا إليه ، لا ما ذكره سابقا من استقلال العقل بحجية الظن ، والشاهد عليه ما ذكره في أواخر المبحث من الكفاية (١) ، وهو عدم إمكان استكشاف حكم الشارع من الحكم العقلي في المقام بقاعدة الملازمة ، لأنه حكم في مرحلة الامتثال والتبعيض في الاحتياط ، وربما يظهر هذا من بعض كلمات الشيخ قدسسره.
ثم ان كشف العقل عن حجية الظن شرعا ، أو حكمه بلزوم التبعيض في
__________________
(١) كفاية الأصول : ٢ ـ ١٣٧.