تقدمه عليه هو الوجه في تقدم كل دليل على الأصول اللفظية والعملية ، وتوضيحه : أن ثبوت الأحكام في موارد كونها ضررية أو حرجية انما هو بالإطلاق أو بأصالة العموم ، وكل منهما أخذ في موضوعه الشك في المراد ، فإذا ثبت بالدليل ان الحكم الضرري أو الحرجي غير مجعول في الشريعة ، فهو بنفسه رافع للشك في المراد ، وهذا هو السر في عدم ملاحظة النسبة بين دليلي الحاكم والمحكوم ، وفي تقدم كل قرينة على ظهور ذي القرينة ولو كان ذو القرينة أقوى ظهورا من قرينته ، كما في قضية : رأيت أسدا يرمي ، فان ظهور لفظ الأسد في الحيوان المفترس وان كان وضعيا إلّا أنه يرفع اليد عنه بظهور (يرمي) في رمي النبل ولو كان بالإطلاق ، لكون ما أتى به قرينة مبينة للمراد.
ومما ذكرناه يظهر أنه لو ورد دليل ظاهر في كونه واردا لبيان الحكم الواقعي ثم ورد دليل آخر دل على ان الحكم الأول كان لأجل التقية قدم الثاني ، ولا يعامل معهما معاملة المتعارضين ، وتمام الكلام في المقام موكول إلى محله.
التنبيه الخامس : ان لفظ الضرر الوارد في أدلة نفي الضرر موضوع للضرر الواقعي ، كما هو الحال في بقية الألفاظ الموضوعة للمعاني الواقعية ، ومقتضى ذلك أن يكون الاعتبار في نفي الحكم بكونه ضرريا في الواقع ، سواء علم المكلف به أم لم يعلم ، وهذا مما لا إشكال فيه في الجملة. إلّا أنه ربما يستشكل بذلك في موردين.
أحدهما : تقييد الفقهاء خياري العيب والغبن بما إذا جهل المغبون غبنه ، وأما مع العلم بهما فلا يحكم بالخيار ، فيسأل حينئذ عن وجه التقييد ، مع أن دليل نفي الضرر ناظر إلى الضرر الواقعي من دون فرق بين العلم والجهل به.
ثانيهما : تسالم الفقهاء ظاهرا على صحة الطهارة المائية مع جهل المكلف بكونها ضررية ، مع أن مقتضى دليل نفي الضرر عدم وجوبها على المكلف حينئذ