هو لأن يكون رادعا للمكلف عن اختياره ، وسادا لطريقه ، فكيف يعقل أن يكون مغيا به ومرتفعا عند حصوله ، فلا مناص عن الالتزام بكون ما يختاره المكلف محكوما بالحلية من أول الأمر ، ومعه لا يبقى مجال لدعوى العلم بالتكليف على كل تقدير ، فلا بد من القول بجريان البراءة في الطرف الآخر فيما إذا كان الاضطرار إلى غير المعين سابقا على العلم الإجمالي ، كما هو الحال في الاضطرار إلى المعين.
وبالجملة الالتزام بسقوط التكليف في ما يختاره المكلف رافعا لاضطراره لا يجتمع مع القول بالتنجيز في الطرف الآخر ، فلا بد من الالتزام بعدم سقوط التكليف فيه كما اخترناه ، أو بعدم التنجيز في الطرف الآخر أيضا كما اختاره صاحب الكفاية ، وقد عرفت ان الصحيح ما ذكرناه ، هذا كله في الاضطرار إلى ارتكاب بعض الأطراف في الشبهة التحريمية.
ومنه يظهر الحال في الاضطرار إلى ترك بعض الأطراف في الشبهة الوجوبية ، وانه لا موجب لرفع اليد عن الوجوب الواقعي مع عدم الاضطرار إلى تركه ، إلّا انه مع ذلك لا مناص من الترخيص في ترك بعض الأطراف ظاهرا دفعا للاضطرار ، ونتيجة ذلك هو الالتزام بالتوسط في التنجيز ، بمعنى ان الواجب الواقعي يصح العقاب على مخالفته لو تركه المكلف قطعا بتركه جميع الأطراف ، واما إذا ترك من الأطراف بمقدار يرتفع به اضطراره فلا يصح العقاب على مخالفته لو صادف الحرام الواقعي ، وعليه فاللازم هو الإتيان بأطراف الشبهة بمقدار الإمكان ، واختصاص الترخيص في الترك بالوجودات المتأخرة على خلاف ما ذكر في الشبهة التحريمية.
التنبيه التاسع : ذكر الشيخ رحمهالله من شرائط تنجيز العلم الإجمالي في الشبهة التحريمية كون جميع أطرافه داخلة في محل الابتلاء (١) ، ليتمكن المكلف عادة من
__________________
(١) فرائد الأصول : ٢ ـ ٤٢٠ (ط. جامعة المدرسين).