فالحكم الواقعي ثابت على كل تقدير ، ومعه لا وجه للرجوع إلى أصالة البراءة في الطرف الآخر.
ثم ان المحقق النائيني ذهب في المقام إلى كون ما يختاره المكلف رافعا لاضطراره مرخصا فيه واقعا (١) بدعوى : ان المضطر إليه وان كان جامعا بين الحلال والحرام إلّا انه باختياره يكون مصداقا للمضطر إليه ، فترتفع حرمته الواقعية لو كان مصداقا للحرام اتفاقا. ومع ذلك التزم بعدم جريان البراءة في الطرف الآخر ، بتقريب : ان سقوط الحرمة عما يختاره المكلف انما يكون بعد اختياره ، واما قبله فالحكم المعلوم إجمالا فعلي على كل تقدير ، وقد مر في بحث الاضطرار إلى المعين ان الرافع للتكليف إذا كان متأخرا عن العلم الإجمالي وتساقط الأصول فانما يقتصر في رفعه بمورده ، واما غيره من الأطراف فيبقى على حاله من تنجز الحكم المعلوم فيه ، وعليه فيكون حال المقام حال الاضطرار إلى أحد الأطراف معينا بعد العلم الإجمالي بالتكليف وتساقط الأصول فيها ، ونتيجة ذلك هو سقوط التكليف الواقعي على تقدير ، وعدم سقوطه على تقدير آخر ، المعبر عنه في كلامه بالتوسط في التكليف.
ويرد على ما أفاده : أولا : ما عرفت من أن اختيار المكلف أحد الأطراف لرفع اضطراره لا يوجب سقوط حكمه الواقعي. ودعوى انه بالاختيار يكون مصداقا للمضطر إليه واضحة الفساد ، فان الاضطرار إلى الجامع لا ينقلب اضطرارا إلى الفرد المعين بإرادة المكلف واختياره.
وثانيا : انه على تقدير تسليم سقوط الحرمة الواقعية عما يختاره المكلف خارجا ، كيف يعقل الحكم بحرمته إلى زمان اختيار المكلف له ، فان تحريم الشيء انما
__________________
(١) فوائد الأصول : ٤ ـ ١٠٦ ـ ١٠٨.