التنبيه الرابع : ان النسبة بين دليل لا ضرر وبين كل واحد من الأدلة المثبتة للأحكام عموم من وجه ، مثلا إطلاق دليل وجوب الوضوء يقتضي وجوبه حتى في حال الضرر ، كما أن إطلاق دليل لا ضرر لمورد الوضوء ينفي وجوبه حال الضرر ، فالوضوء الضرري مورد للنفي والإثبات بمقتضى إطلاق الدليلين ، ومن ثم وقع الكلام في وجه تقدم دليل لا ضرر على إطلاق الدليل المثبت للحكم.
وقد ذكر في وجه التقدم وجوه.
الأول : ان الموجب للتقدم عمل المشهور به في مورد المعارضة ، فيكون الترجيح بالشهرة ، ومع قطع النّظر عن الترجيح بها فالحكم هو التساقط ، والرجوع إلى الأصل الجاري في المقام ، فيحكم بعدم وجوب ما دل الدليل على وجوبه بالإطلاق ، فتكون النتيجة نتيجة تقدم دليل لا ضرر على الدليل المعارض له.
وفيه : أنه لو فرض التعارض بين الدليلين بالعموم من وجه لم تكن مطابقة أحدهما لفتوى المشهور مرجحا له ، فان الشهرة المرجحة في باب التعارض انما هي الشهرة في الرواية دون الفتوى ، وقد تقدم بيانه في بحث حجية الشهرة ، ولا معنى لادعائها في العامين من وجه. واما الحكم بالتساقط والرجوع إلى الأصل فهو وان كان مقتضى القاعدة فيما إذا كان التعارض بالعموم من وجه ، وكان العموم مستفادا من الإطلاق ومقدمات الحكمة على ما سيجيء بيانه إن شاء الله ، إلّا ان ذلك لا يترتب عليه إلّا نفي التكليف المتكفل به الدليل المعارض لقاعدة لا ضرر ، وهذا لا يكفي في إثبات حكم آخر مترتب على ترجيح القاعدة من وجوب التيمم ونحوه.
الثاني : ان دليل لا ضرر إذا لوحظ مع كل من الأدلة المثبتة للتكليف فالنسبة بينهما وان كانت عموما من وجه ، إلّا أنه إذا لوحظ مع مجموع الأدلة المثبتة للأحكام فالنسبة بينهما عموم مطلق ، فيخصص به تلك الأدلة ، ويتقدم عليها لا محالة.