تمهيد
لا يخفى أنّ البحث عن القطع غير داخل في مسائل هذا العلم ، لما ذكرناه في تعريفه من أنّ الميزان في كون المسألة أصولية أن تقع نتيجتها في طريق الاستنباط بأن تكون كبرى كلية لو انضم إليها صغراها أنتجت حكما فرعيا ، ومن البديهي انّ القطع بالحكم لا يقع في طريق الاستنباط ، بل هو بنفسه قطع بالنتيجة وبنفس الحكم الفرعي ، وهذا في القطع الطريقي واضح ، واما الموضوعي أعني القطع المأخوذ في موضوع الحكم كما إذا قال : إذا قطعت بحكم فرعي فتصدق ، فهو وان كان دخيلا في فعلية وجوب التصدق إلّا انّ نسبته إليه نسبة الموضوع إلى حكمه ، كالخمر بالقياس إلى الحرمة ، وليس وجوب التصدق مستنبطا من القطع بالحكم الفرعي ، وإنما هو مستنبط من الدليل الدال عليه. نعم انّ القطع يتعلق بنتيجة علم الأصول أعني الحكم الفرعي ، أو هو بنفسه نتيجته ، فله شدة مناسبة مع مسائله ، وينبغي أن يبحث عنه فيه استطرادا ، كما له أيضا من بعض الجهات مناسبة مع علم الكلام الباحث عن المبدأ والمعاد واستحقاق العقاب.
وكيف كان قد قسم شيخنا الأنصاري قدسسره (١) المكلف بأنه إذا التفت إلى حكم شرعي فاما أن يحصل له القطع به ، واما يحصل له الظن به ، واما يحصل له الشك ، فجعل التقسيم ثلاثيا ، وعلى هذا التقسيم بنى كتابه على مقاصد ثلاث (الأول) في القطع (والثاني) في الظن (والثالث) في الشك ، ثم ذيلها بخاتمة باحث فيها عن التعادل
__________________
(١) فرائد الأصول : ١ ـ ٤٧ (ط. جامعة المدرسين).