ذاتية ، وان المنع عن العمل به مستلزم لاجتماع الضدين.
وأما القسم الثاني : فإدراك العقل للحسن والقبح وان كان ضروريا ، بل الحسن والقبح واستحقاق العقاب والذم والثواب والمدح من المستقلات العقلية ، وليسا كالمصلحة والمفسدة التي لا مجال لإحاطة العقل بها بجميع شئونها ، ولو لا ذلك لما كان في البعث والزجر المولوي فائدة أصلا ، ولكن حكم العقل بذلك ـ كما عرفت في بحث التجري ـ إنما يكون في طول الحكم الشرعي وفي مرتبة معلوله ، ومع هذا كيف يمكن أن يستكشف به الحكم الشرعي.
وأما القسم الثالث : وهو إدراك العقل لأمر خارجي يترتب عليه إدراك الحكم الشرعي ، مثل إدراكه الملازمة بين وجوب شيء ووجوب مقدمته ، أو وجوب شيء وحرمة ضده ، فان الملازمة من الأمور الواقعية الأزلية الثابتة سواء كان شرع وشريعة أم لم يكن ، فليس إدراك العقل لها إدراكا لحكم شرعي ، فلا مجال لتوهم شمول قوله عليهالسلام «ان دين الله لا يصاب بالعقول» لهذا القسم أصلا ، فإذا أدرك العقل هذه الملازمة وثبت وجوب ذي المقدمة بدليله الشرعي فلا محالة يحصل له القطع بوجوب المقدمة أيضا ، لما ذكرنا من أن العلم بثبوت اللازم معلول للعلم بالملازمة وبثبوت الملزوم ، ويسمى هذا الحكم العقلي بالعقلي غير المستقل لكون إحدى مقدمتيه شرعية ، وإذا حصل العلم بوجوب المقدمة لا معنى حينئذ لمنعه عن العمل بقطعه أصلا ، لأنه مستلزم لاجتماع الضدين في نظر القاطع وهو محال.
بقي في المقام التعرض لفروع (١) ذكرها الشيخ قدسسره التي توهم عنها ثبوت المنع عن العمل بالقطع الحاصل من غير الكتاب والسنة ، والجواب عنها إجمالا : انه بعد ما أثبتنا بداهة استحالة المنع عن العمل بالقطع لا مناص لنا من حمل ما كان ظاهره المنع
__________________
(١) فرائد الأصول : ١ ـ ٧٤ ـ ٧٦ (ط. جامعة المدرسين).