الموضوع كما هو واضح ، فهذه الأصول يكون منزلة منزلة العلم من الجهة الثانية ، فتقوم مقام ما أخذ في الموضوع من تلك الجهة ، مثلا الغاية في قوله عليهالسلام «كل شيء حلال حتى تعرف أنه حرام بعينه» (١) انما تكون مأخوذة من تلك الجهة ، فان الحلية مجعولة للشاك لا بما أن هذه الصفة موجودة في نفسه ، بل بما أنه متحير وليس له عقد القلب مقدمة للعمل ، وعلى هذا فتقوم الأصول المحرزة مقامه ، وهكذا الشك المأخوذ في جميع الأصول غير المحرزة ولأجل هذا تقدم الأصول المحرزة على غير المحرزة ، إذ بقيامها يرتفع موضوعها كما هو واضح.
وأما الأصول غير المحرزة التي ليس لها نظر إلى الواقع ، بل هي وظائف عملية مجعولة للجاهل كالبراءة العقلية والشرعية والاحتياط العقلي والشرعي فعدم قيامها بأجمعها مقام القطع الموضوعي في غاية الوضوح ، لأنها لا تكون محرزة للواقع لا وجدانا ولا بالتعبد الشرعي.
وهكذا عدم قيامها مقام القطع الطريقي المحض وان لم يكن ذلك بتلك المثابة من الوضوح ، بيان ذلك : أن البراءة العقلية عبارة عن حكم العقل وإدراكه عدم صحة العقاب على مخالفة الواقع الّذي لا يكون واصلا ، وان المكلف معذور في ذلك ولا يستحق العقاب عليه ، كما أن الاحتياط العقلي عبارة عن إدراك العقل حسن العقاب وصحته بمعنى استحقاق المخالف للعقاب لو صادف الواقع ، وهذا معنى التنجيز. فالبراءة العقلية عبارة أخرى عن المعذرية ، والاحتياط العقلي عبارة عن التنجيز ، وكلاهما أثر للقطع لا شيء نزل منزلته ، فانه لا بد في التنزيل من أمور ثلاثة ، منزل ومنزل عليه ووجه التنزيل أي الأثر الّذي يكون التنزيل بلحاظه ويكون هو المصحح لذلك ، وعليه فكيف يعقل تنزيل البراءة والاحتياط منزلة
__________________
(١) وسائل الشيعة : باب ٤ من أبواب ما يكتسب به ، ح ٤.