فالروايات الآمرة بعرض الأخبار على الكتاب وطرح ما خالفه مبينة لإجماله ، ويظهر منها ان المراد من المتشابه في الآية هو المجمل دون ما له ظاهر ، فانه الّذي ربما يكون الخبر مخالفا له فلا يعتنى به ، واما الصريح فلا توجد رواية مخالفة له ليكون موردا للطرح.
فتحصل : ان الكتاب العزيز له ظاهر ، وظاهره حجة ما لم يحصل الصارف عنه.
تنبيه :
إذا أحرز مراد المتكلم من ظاهر كلامه ، فلا ريب في الأخذ به. واما إذا شك في المراد ، فمنشؤه أحد امرين : أما عدم انعقاد الظهور للفظ أصلا ، أو احتمال أن لا يكون الظاهر مرادا. وسبب الأول تارة : يكون عدم إحراز الموضوع له وما يفهم من اللفظ عرفا بما له من القرائن والخصوصيات ، ونعبر عن ذلك بعدم إحراز المقتضى ، وأخرى : احتمال قرينية الموجود ، وثالثة : احتمال وجود القرينة. والسبب في الثاني أيضا أحد أمور ثلاثة : احتمال غفلة المتكلم عن نصب القرينة أو تركه لذلك عمدا لمصلحة فيه أو لمفسدة في نصبه أو اتكاله على قرينة منفصلة حالية أو مقالية ، متقدمة أو متأخرة لم نظفر عليها بعد الفحص.
اما فيما إذا كان الشك في المراد من قبيل الثاني ، أي بعد تحقق الظهور ، فالعقلاء لا يعتنون بالاحتمالات الثلاثة المتقدمة ، ويأخذون بظاهر الكلام ، واعتمادهم عليه انما هو لأصالة الظهور ، التي هي بنفسها أصل وجودي ثابت ببناء العقلاء وعدم ردع الشارع عنه ، لا لأصالة عدم القرينة كما يستشعر من كلام شيخنا الأنصاري (١) ، ولعل غرضه رحمهالله التمسك بها فيما إذا شك في أصل الظهور لاحتمال وجود القرينة ، لا فيما
__________________
(١) فرائد الأصول : ١ ـ ١٠١ (ط. جامعة المدرسين).