إذا كان الظهور متحققا وشك في المراد ، فان منشأ الشك فيه ليس احتمال وجود القرينة المتصلة المانعة عن الظهور أصلا ، لأنه مقطوع العدم في جميع صوره ، ووجود القرينة المنفصلة وان كان محتملا في بعض الصور وهو المنشأ للشك فيه إلّا انه لا تمنع من انعقاد الظهور ، وانما يمنع وصولها عن حجية الظهور ، فأي حاجة إلى التمسك بأصالة عدم القرينة لنفي ذلك ، وقد مر تفصيله في مبحث العام والخاصّ.
واما الفرض الأول ، وهو ما إذا شك في المراد لأجل الشك في أصل الظهور الفعلي ، فان كان ذلك ناشئا من إجمال اللفظ ، كما في لفظ الصعيد في الآية ، المردد بين التراب ومطلق وجه الأرض ، فالمرجع فيه الأصل العملي. وان كان ناشئا من احتفاف الكلام بما يصلح للقرينية ، كما في الأمر الواقع في مورد توهم الحظر كقوله تعالى (وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا)(١) وكما في الضمير الراجع إلى بعض افراد العام ، والاستثناء المتعقب لجمل عديدة ، فان قلنا : بان أصالة الحقيقة بنفسها أصل عقلائي كما نسب إلى السيد المرتضى رحمهالله فبها يحرز الظهور ، ويؤخذ به ، ولكنه لم يثبت ذلك ، واما إذا قلنا : بان بناء العقلاء انما هو على العمل بالظهور الكاشف نوعا عن المراد كما هو الصحيح ، فلا ظهور في المقام ليؤخذ به. وان كان الشك ناشئا من احتمال وجود المانع فهو على قسمين : إذ المانع المحتمل تارة : يكون امرا داخليا ، كما إذا احتمل غفلة المخاطب عن استماع القرينة ، وأخرى : يكون امرا خارجيا كما إذا احتمل سقوط القرينة عن الكلام لأجل التقطيع ، أو كثرة الوسائط في الأخبار.
اما في الأول ، فلا ريب في بناء العقلاء على عدم الاعتناء بهذا الاحتمال. نعم وقع الخلاف في ان بنائهم على ذلك هل هو ابتدائي كما ذهب إليه في الكفاية (٢) ، أو هو
__________________
(١) المائدة : ٢.
(٢) كفاية الأصول : ٢ ـ ٦٥.