بعد إجراء أصالة عدم الغفلة أو عدم القرينة كما ذهب إليه الشيخ (١) رحمهالله؟ والحق هو الثاني ، لما ذكرنا ان مورد بناء العقلاء انما هو الظهور ، وعملهم على الأخذ بالظاهر ، فلا بد من إثباته أولا بإجراء أصالة عدم القرينة ، ثم الحكم ثانيا بحجيته ، وعلى هذا يحمل ما أفاده الشيخ قدسسره من إرجاع الأصول اللفظية إلى الأصول العدمية كما أشرنا إليه.
واما في الثاني ، وهو ما إذا كان المانع المحتمل امرا خارجيا ، فالمشهور فيه أيضا الرجوع إلى أصالة عدم القرينة ، ولم يفرقوا بين هذه الصورة وسابقتها. ولكن المحقق القمي فرق بينهما ، وذهب إلى عدم ثبوت بناء من العقلاء في مثل ذلك ، وعليه بنى انسداد باب العلمي في الأحكام.
وما أفاده من الكبرى الكلية وان كان متينا ، وشاهدها ان العقلاء إذا وصل إليهم كتاب قطع بعضه وبقي بعضه لا يعملون بظاهر الباقي إذا احتملوا في المقطوع قرينة صارفة لظهور الجمل الباقية ، وهكذا لو اعترى العبد سنة حين تكلم المولى معه ، ليس له العمل بظاهر ما سمعه من الكلام إذا احتمل فوات قرينة صارفة ، ولا يدفع ذلك بالأصل ، وهكذا فيما يوجد من السجلات والإسناد ، إلّا ان تطبيقها على المقام غير صحيح ، لما ذكرناه آنفا من أن المقطعين للأخبار بلغوا الغاية في الفضل والتقى ، ومعرفة لحن القول ، فلا تخفى عليهم القرائن لو كانت موجودة ، فاحتمال خفائها عليهم موهون جدا ، وليس هذا تمسكا بفهمهم واستنباطهم كي يقال : انه غير حجة بالنسبة إلينا ، بل تمسك بروايتهم للأحاديث الخالية عن القرائن كما في النقل بالمعنى ، وهذا ثابت في المرتكزات والأمور العرفية أيضا.
__________________
(١) فرائد الأصول : ١ ـ ١٠١ (ط. جامعة المدرسين).