وبالجملة هذا الإشكال مغالطة ناشئة من الخلط بين الوصول والتمييز ، فان وصول التكليف الفعلي هو الموضوع لحكم العقل بقبح المخالفة ، ولا ربط لهذا بتمييز المكلف به أصلا ، ولذلك لا ريب في حكم العقل بقبح ارتكاب جميع أطراف العلم الإجمالي دفعيا كالنظر إلى امرأتين يعلم بحرمة النّظر إلى أحدهما ، كما في ارتكاب المحرم تفصيلا مع أن موضوع التكليف الواقعي غير مميز ، فلا يعتبر في القبح إلّا وصول التكليف الفعلي ، وهو متحقق في محل الكلام.
المبحث الثاني : ذهب صاحب الكفاية رحمهالله إلى إمكان جعل الأصول العملية في جميع أطراف العلم الإجمالي ، بل ادعى وقوعه (١) كما في موارد الشبهة غير المحصورة ، وذلك لانحفاظ مرتبة الحكم الظاهري فيها ، وذكر انه لا مضادة بين الحكم الواقعي والظاهري ليقال أن ذلك مستلزم للعلم بثبوت المتضادين ، فانه لو كان بينهما مضادة لما أمكن جعل الحكم الظاهري في الشبهات البدوية لاستلزامه احتمال الجمع بين متضادين ، ومن الواضح ان احتمال اجتماعهما مستحيل كالقطع به ، إذ العقل بعد استقلاله باستحالة الاجتماع كيف يحتمل وقوعه ، ولما أمكن الرجوع إلى الأصول العملية في الشبهة غير المحصورة أيضا ، وإذا لم تكن هناك مضادة فلا مانع من جعل الحكم الظاهري في موارد الشبهة المحصورة أيضا أي فيما كان مخالفته مع الحكم الواقعي معلوما ، ولا يتوهم من ذلك صحة جعله مع العلم التفصيليّ ، لأن رتبة الحكم الظاهري معه غير محفوظة والمانع فيه عدم الانحفاظ لا التضاد. والحاصل أن رتبة الحكم الظاهري لو كانت محفوظة مع الشك في الحكم الواقعي مطلقا فلا مانع من جعله في أطراف العلم الإجمالي للجهل بالواقع في كل واحد من الأطراف بخصوصه ، ولو لم يكن الرتبة محفوظة لما أمكن جعله في الشبهة البدوية والشبهة غير
__________________
(١) كفاية الأصول : ٢ ـ ٣٥.