يدوران مدار الحرمة الواقعية ، ولذا في صورة الجهل لا يكون الفعل قبيحا مع ثبوت الحرمة واقعا ، وإنما يدوران مدار هتك حرمة المولى والجرأة عليه الثابتة في الصورتين. والّذي يشهد لما ذكرناه تسالمهم على حسن الفعل المنقاد به عقلا ومدح فاعله على ذلك من غير خلاف ولا فرق بين الانقياد والتجري في حكم العقل في الأول بالحسن وفي الثاني بالقبح. فما أفاده المحقق النائيني من عدم قبح الفعل المتجري به غير تام.
كما عرفت انّ البرهان الّذي أفاده في الكفاية أيضا غير صحيح ، وحاصل برهانه هو أن عنوان القطع غير ملتفت إليه فلا يكون اختياريا ، وأفاد انه في فرض التجري ربما لا يكون هناك فعل اختياري أصلا ، إذ ما أتى به واقعا وهو شرب الماء لم يكن مقصودا ، وما قصده واختار شربه لم يقع في الخارج.
وقد ذكرنا في جوابه انّ القطع ملتفت إليه بالالتفات الحضوري ، إذ القطع بنفسه حاضر لدى النّفس ، نعم تصور القطع والعلم به تفصيلا مفقود غالبا ، ويكفي في قبح الفعل الالتفات إلى عنوانه القبيح بهذا المقدار. ثم انه لو تم هذا البرهان فهو مختص ببعض موارد التجري وهو فرض تعلق القطع بالموضوعات ، ولا يجري في فرض تعلق القطع بالحكم ، كما لو قطع بحرمة شرب التتن فشربه ، فانّ الالتفات إلى القطع بالحكم غالبا يكون موجودا في مقام العمل. هذا كله في النقطة الأولى.
وأما الثانية : فالحق فيها أنّ قبح الفعل لا يكون ملازما لحرمته شرعا ، بل يكون على ما هو عليه واقعا ، وقضية كل ما حكم به العقل حكم به الشرع أجنبية عن حكم العقل بمعنى إدراكه قبح الفعل أو استحقاق فاعله للذم ، وإنما هي في حكم العقل بمعنى إدراكه المصالح والمفاسد المستتبعة للحكم الشرعي. وبعبارة أخرى : الحسن والقبح بالمعنى الأول يكونان في طول الحكم الشرعي ومن توابعه ، ولا يكونان مناطا له ، بخلاف الحسن والقبح بالمعنى الثاني ، فانهما يكونان ملاكا للحكم