وأما الكبرى ، وهي المنع عن العمل بالحكم الشرعي المستكشف من حكم العقل فتحقيقه : هو أن الحكم العقلي في محل الكلام يتصور على أقسام ثلاثة :
الأول : أن يدرك وجود المصلحة أو المفسدة في فعل ، فبتبعية الأحكام الشرعية للمصالح والمفاسد يحكم بثبوت الحكم الشرعي في ذلك المورد.
الثاني : أن يتعلق بالحسن والقبح بمعنى أن يدرك استحقاق الذم أو المدح على فعل ، وحيث أن مدح الشارع ثوابه ، وذمه عقابه ، فيحكم بثبوت الحكم الشرعي في مورده.
الثالث : أن يتعلق بأمر خارجي ثابت مع قطع النّظر عن ثبوت شرع وشريعة ، نظير إدراكه استحالة اجتماع النقيضين أو الضدين ، وبضميمة حكم شرعي إليه يستكشف الحكم الشرعي في مورده.
أما القسم الأول : فالصحيح انه مستلزم لثبوت الحكم الشرعي أصلا ، وذلك لأن مجرد وجود المصلحة أو المفسدة في شيء لا يستلزم ثبوت الحكم الشرعي على طبقها ، إذ ربما تكون المصلحة مزاحمة بالمفسدة وبالعكس ، وربما تكون مقرونة بالمانع ، وربما تكون فعليتها مشروطة بشرط غير حاصل ، والعقل لا يمكنه الإحاطة بجميع هذه الأمور ، ولذا قيل : أن الشارع يفرق بين المجتمعات ويجمع بين المتفرقات ، والمتيقن من قوله عليهالسلام «ان دين الله لا يصاب بالعقول» (١) هو هذا المورد ، فالحق فيه مع الأخباريين المانعين عن حصول القطع بالحكم الشرعي من اليقين بوجود المصلحة أو المفسدة في شيء. ولا يبعد أن يكون نظر المانعين من حصول القطع من مقدمات عقلية إلى خصوص هذا القسم ، ولكنه مع ذلك لو فرضنا حصول القطع بالحكم الشرعي منه ولو نادرا لا يعقل المنع عن العمل به لما عرفت ان حجيته
__________________
(١) كمال الدين : ٣٢٤.