وفيه : أنه لا موجب لفرض جميع الأدلة بمنزلة دليل واحد وملاحظة النسبة بينها وبين دليل لا ضرر ، فان المعارضة انما هي بينه وبين كل واحد منها لا مجموعها.
الثالث : ان الموجب للترجيح هو أن تقديم دليل لا ضرر على تلك الأدلة لا يستلزم إلّا التخصيص فيها ، واما تقديمها عليه بأجمعها فهو يستلزم أن لا يبقى مورد لدليل لا ضرر أصلا ، وأما تقديم بعضها عليه دون بعض فترجيح بلا مرجح.
وفيه : ان نسبة دليل نفي الضرر مع الأدلة المثبتة للأحكام في مواردها بما انها عموم من وجه ، فبناء على ما هو المختار من ان الدليلين المتعارضين بالعموم من وجه إذا كان العموم في أحدهما مستندا إلى الوضع وفي الآخر إلى مقدمات الحكمة يتقدم ما يكون عمومه بالوضع على الآخر ، وإذا كان كل منهما بالإطلاق يتساقط الظهوران ، فيرجع إلى عموم أو إطلاق غيرهما ، أو إلى أصل عملي ، فلا بد من النّظر إلى الدليل المعارض لدليل نفي الضرر ، فان كان عمومه بالإطلاق فيسقط الظهوران ويرجع إلى الأصل العملي ، فتكون النتيجة نتيجة نفي الضرر من حيث نفي الحكم الإلزامي ، واما إذا كان عموم الدليل وضعيا ، فيتقدم على دليل نفي الضرر ، وعلى ذلك فلا بد من التفكيك بين الموارد من دون لزوم الترجيح بلا مرجح.
واما بناء على ما سلكه غير واحد من الرجوع إلى المرجحات السندية في معارضة العامين من وجه مطلقا ، فلا بد من النّظر في كل واحد من الأدلة المعارضة لدليل نفي الضرر ، فما كان منها أقوى سندا منه يقدم عليه ، وما كان أضعف منه يترك العمل به ، وما كان مساويا معه يتخير بينهما ، وتمام الكلام في محله ، وعليه أيضا لا يكون الترجيح بلا مرجح. وبالجملة لو سلمت المعارضة بين دليل نفي الضرر وأدلة الأحكام لم يكن وجه لتقدمه عليه ببطلان الترجيح بلا مرجح.
الرابع : ما ذكره في الكفاية (١) من ان الجمع العرفي يقتضي تقديم دليل نفي
__________________
(١) كفاية الأصول : ٢ ـ ٢٦٩.