والجواب عن ذلك : ان الإطلاق وان كان بمعنى الإرسال إلّا ان حمله على اللاحرجية الأصلية خلاف الظاهر ، فان ظاهر الحكم الصادر في كلام الشارع أو من هو بمنزلته كونه حكما شرعيا مولويا ، لا حكما عقليا أو حكما شرعيا إرشاديا. هذا مضافا إلى ان بيان الإطلاق الثابت قبل ورود الشرع فيما بعد وروده ومعرفة الحلال والحرام لغو ، لا يترتب عليه فائدة ، فلا ينبغي حمل الرواية عليه.
واما المحقق الخراسانيّ (١) فقد ناقش في دلالة الرواية باحتمال أن يكون المراد من الورود صدور الحكم من الموالي لا وصوله إلى المكلفين ، ومن الواضح ان فرض عدم جعل الحكم وصدوره خارج عن محل نزاع الأخباريين والأصوليين.
لا يقال : بضميمة أصالة عدم ورود الحكم وجعله يمكن التمسك بها للبراءة.
فانه يقال : ان الدليل حينئذ يكون أخص من المدعى ، لاختصاصه بما إذا لم يعلم ورود النهي أصلا ، ولا يعم مثل ما إذا ورد النهي عن شيء في زمان والإباحة في زمان آخر وشك في المتقدم منهما.
والجواب عنه : ان الورود وان صح استعماله في الصدور أحيانا إلّا ان المراد به في الحديث خصوص الوصول ، والقرينة عليه قوله عليهالسلام «كل شيء مطلق» إذ المراد بالإطلاق فيه بعد ما عرفت من كونه إطلاقا شرعيا مولويا إما الإباحة الواقعية واما الإباحة الظاهرية ، سواء قلنا بان القضية إخبارية أو قلنا بأنها إنشائية. ولا سبيل إلى الأول ، فان جعل النهي واقعا أو وصوله إلى المكلف لا يمكن أن يكون غاية للحكم بالإباحة الواقعية.
أما الأول : فلاستلزامه جعل أحد الضدين رافعا للآخر ، ولا معنى له ، فانه نظير أن يقال كل شيء ساكن إلى ان يتحرك ، فان الحلية والحرمة الواقعيتين ضدان
__________________
(١) كفاية الأصول : ٢ ـ ١٧٧.