استصحاب عدم جعل الحرمة بناء على جريانه لا ريب في كونه حاكما على هذه الاخبار ورافعا لموضوعها ، لأنه يحرز به عدم التكليف وعدم العقاب ، فيتقدم عليها لا محالة ، كما ان اخبار البراءة لا تعم الشبهة قبل الفحص ، ولا المقرونة بالعلم الإجمالي ، إما في نفسها ، واما من جهة الإجماع وحكم العقل ، بل بعضها مختصة بالشبهات التحريمية كقوله عليهالسلام «كل شيء مطلق» بخلاف اخبار الاحتياط والتوقف ، فانها شاملة لها قطعا ، فيتخصص بها.
وتوهم : الإطلاق في أدلة البراءة ، وكونها شاملة في نفسها لجميع الشبهات ، غاية الأمر انها مخصصة بحكم العقل أو بالإجماع ، فلا وجه لتقدمها على اخبار التوقف.
مدفوع : بان المانع عن شمول أدلة البراءة لتلك الموارد ان كان حكم العقل باستحالة شمولها فحاله حال المخصص المتصل في منعه عن انعقاد الظهور في العموم أو الإطلاق من أول الأمر ، وان كان المانع هو الإجماع فحاله حال المخصص المنفصل ، والمختار فيه القول بانقلاب النسبة ، ويأتي تفصيل الكلام فيه في محله.
ثم ان هناك وجها آخرا لتقديم اخبار البراءة على خصوص اخبار الاحتياط ، وهو ان اخبار البراءة كقوله عليهالسلام «كل شيء مطلق حتى يرد فيه نهي» (١) نصّ في عدم وجوب الاحتياط ، واخبار الاحتياط على تقدير تمامية دلالتها ظاهرة في وجوبه ، والجمع العرفي يقتضي رفع اليد عن ظهور الأمر في الوجوب بسبب النص ، بحمله على الحسن الجامع بين الوجوب والندب. وهذا الوجه لا يجري بالنسبة إلى اخبار التوقف ، لأن العلة المذكورة فيها وهي عنوان الوقوف في الهلكة يجعلها كالنص في عدم جواز الاقتحام ، ولكنا بينا قصور دلالتها على الحكم المولوي
__________________
(١) من لا يحضره الفقيه : ١ ـ ٣١٧ ، ح ٩٣٧ (ط. جامعة المدرسين).