فصدقه وكذبهم» (١) ومن الواضح عدم إرادة التصديق العملي من ذلك ، وإلّا لم يكن وجه لتقديم قول الواحد على قول خمسين ، فالمراد بتصديقه عدم المبارزة له بالتكذيب بترتيب أثر الكذب على خبره. ومما يشهد لذلك مورد نزول الآية ، ففي تفسير علي بن إبراهيم القمي انها نزلت في عبد الله بن نفيل ، فانه كان يسمع كلام النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وينقله إلى المنافقين ، حتى أوقف الله نبيه على هذه النميمة ، «فأحضره صلىاللهعليهوآلهوسلم وسأله ، فحلف انه لم يكن شيء مما ينم عليه ، فقبل منه النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم فأخذ هذا الرّجل يطعن عليه صلىاللهعليهوآلهوسلم ويقول : انه يقبل كل ما يسمع ، أخبره الله اني أنمّ عليه وأنقل اخباره فقبل ، وأخبرته اني لم أفعل فقبل ، فرده الله بقوله لنبيه : قل اذن خير لكم» (٢) ومن المعلوم ان تصديقه صلىاللهعليهوآلهوسلم للمنافق لم يكن إلّا بعدم إظهار تكذيبه.
وقد استشهد الشيخ قدسسره على ما ذكرناه باختلاف السياق ، فذكر ان تعدي كلمة يؤمن في الجملة الأولى بالباء وفي الجملة الثانية باللام دليل على اختلاف ما أريد من الإيمان والتصديق (٣).
وفيه : ان الإيمان بمعنى التصديق ، فان كان التصديق متعلقا بوجود شيء فالتعدية تكون بالباء ، ومنه قوله تعالى (آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ)(٤) وان كان متعلقا بقول الشخص فالتعدية تكون باللام ، ومنه قوله تعالى حكاية عن إخوة يوسف (وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا)(٥) وحينئذ فتعدية الإيمان باللام في الآية الكريمة بالإضافة إلى المؤمنين تدل على إرادة تصديق قولهم.
__________________
(١) وسائل الشيعة : ٨ ـ باب ١٥٧ من أحكام العشرة ، ح ٤.
(٢) تفسير القمي : ١ ـ ٣٠٠.
(٣) فرائد الأصول : ١ ـ ١٨٤ (ط. جامعة المدرسين).
(٤) البقرة : ٢٨٥.
(٥) يوسف : ١٧.