٢١ ـ بصيرة فى فكر
الفكر : قوّة مطرّقة للعلم إلى المعلوم. والتفكر : جريان (١) تلك القوّة بحسب نظر العقل ، وذلك مختصّ بالإنسان دون الحيوان ، ولا يقال إلا فيما يمكن أن يحصل له صورة فى العقل ، ولهذا قيل : تفكّروا فى آلاء الله ولا تفكّروا فى الله ؛ إذ كان منزّها أن يوصف بصورة ، قال تعالى : (أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ)(٢) ، (أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّماواتِ)(٣).
ورجل فكّير وفكور : كثير الفكرة. وتقول : لفلان فكر ، كلّها فقر ، وما زالت فكرته مغاص الدرر.
وقال المشايخ : الفكرة فكرتان : فكرة تتعلّق بالعلم والمعرفة ، وفكرة تتعلق بالطلب والإرادة. فالتى تتعلق بالعلم والمعرفة فكرة التمييز بين الحقّ والباطل ، والثابت والمنفىّ. والفكرة الّتى تتعلّق بالطّلب والإرادة هى الفكرة الّتى تميّز بين النافع والضّار ، ثمّ تترتّب عليها فكرة أخرى فى الطّريق إلى حصول ما ينفع فيسلكها ، وطريق ما يضرّ فيتركها ولهم فكرة فى عين التوحيد وفكرة فى لطائف الصّنعة ، وفكرة فى معانى الأعمال والأحوال. فهذه ستة أقسام لا سابع لها هى مجال أفكار العقلاء.
فالفكرة فى التوحيد : استحضار أدلّته وشواهده الدّالة على بطلان الشّرك واستحالته ، وأنّ الإلهيّة يستحيل ثبوتها لاثنين كما يستحيل ثبوت الربوبيّة لاثنين ؛ فلذلك أبطل الباطل عبادة اثنين ، والتوكّل على اثنين ، بل لا تصلح العبادة إلا للإله الحقّ ، والرّب الحقّ. وهو الله الواحد القهار.
__________________
(١) فى الراغب : «جولان»
(٢) الآية ٨ سورة الروم
(٣) الآية ١٨٥ سورة الأعراف