الدرجة الثانية : المروءة مع الخلق بأن يستعمل معهم الأدب. وليتّخذ الناس مرآة لنفسه ، فكل ما كرهه من قول أو فعل أو خلق فليجتنبه ، وما أحبّه من ذلك فليفعل.
الدرجة الثالثة : المروءة مع الحق سبحانه : من الاستحياء من نظره إليك واطّلاعه عليك فى كل لحظة ولمحة ، وبإصلاح عيوب نفسك جهد الإمكان ؛ فإنه قد اشتراها منك ، وليس من المروءة تسليم المبيع على ما فيه من العيوب وتقاضى الثمن كاملا ، ورؤية شهود منّته فى هذا الإصلاح ؛ فإنه هو المتولّى له لا أنت ، فيفنيك الحياء منه عن رسوم الطبيعة ، وفيما ذكرناه فى الفتوّة ما يعين فى هذه المنزلة إن شاء الله تعالى.
والمرء : الرجل. يقال : هذا مرء صالح ، ورأيت مرأ صالحا ، ومررت بمرء صالح ؛ وضم الميم فى الأحوال الثلاث لغة. وتقول : هذا مرء بالضمّ ، ورأيت مرأ بالفتح ، ومررت بمرء بالكسر معربا من مكانين. وهذه مرأة صالحة ، ومرة أيضا بترك الهمز وتحريك الراء بحركتها ، فإن جئت بألف الوصل كان فيها أيضا ثلاث لغات : فتح الراء على كل حال ، حكاها الفراء ؛ وضمّها على كل حال ؛ وإعرابها على كل حال ، قال تعالى : (وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها)(١) ، فإن صغّرت أسقطت ألف الوصل فقلت : مريء ومريئة ، وفى الحديث : «إنى لأكره أن أرى الرجل ثائرا فرائص (٢) رقبته ، قائما على مريئته يضربها». تصغيره صلىاللهعليهوسلم المرأة استضعاف
__________________
(١) الآية ١٢٨ سورة النساء.
(٢) الفرائص : جمع الفريصة ، وهى اللحمة التى بين جنب الدابة وكتفها لا تزال ترعد. وأراد بها هنا : عصب الرقبة لأنها هى التى تثور عند الغضب. وانظر النهاية.