النَّاسِ وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَراءَتِ الْفِئَتانِ نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ وَقالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرى ما لا تَرَوْنَ إِنِّي أَخافُ اللهَ وَاللهُ شَدِيدُ الْعِقابِ (٤٨) إِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هؤُلاءِ دِينُهُمْ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَإِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)(٤٩)
قال الفخر الرازي عند تفسيره لقوله ـ تعالى ـ (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا ....) المراد قريش حين خرجوا من مكة لحفظ العير. خرجوا بالقيان والمغنيات والمعازف ، فلما وردوا الجحفة ، بعث خفاف الكناني ـ وكان صديقا لأبى جهل ـ بهدايا إليه مع ابن له ، فلما أتاه قال : إن أبى ينعمك صباحا ويقول لك : إن شئت أن أمدك بالرجال أمددتك ، وإن شئت أن أزحف إليك بمن معى من قرابتي فعلت.
فقال أبو جهل : قل لأبيك جزاك الله والرحم خيرا. إن كنا نقاتل الله كما يزعم محمد فو الله ما لنا بالله طاقة. وإن كنا إنما نقاتل الناس ، فو الله إن بنا على الناس لقوة.
والله ما نرجع عن قتال محمد حتى نرد بدرا فنشرب فيها الخمور ، وتعزف فيها القيان ، فإن بدرا موسم من مواسم العرب ، وسوق من أسواقهم. وحتى تسمع العرب ـ بمخرجنا فتهابنا آخر الأبد ـ.
قال المفسرون : فوردوا بدرا ، وشربوا كؤوس المنايا مكان الخمر ، وناحت عليهم النوائح مكان القيان (١).
وقوله (بَطَراً) مصدر بطر ـ كفرح ـ ومعناه كما يقول الراغب : دهش يعترى الإنسان من سوء احتمال النعمة ، وقلة القيام بحقها ، وصرفها إلى غير وجهها (٢).
أى أن البطر ضرب من التكبر والغرور واتخاذ نعم الله ـ تعالى ـ وسيلة إلى مالا يرضيه وهو مفعول لأجله ، أو حال ، أى : حال كونهم بطرين.
وقوله (وَرِئاءَ) مصدر رأى ومعناه : القول أو الفعل الذي لا يقصد معه الإخلاص ، وإنما يقصد به التظاهر وحب الثناء.
__________________
(١) تفسير الفخر الرازي ج ٥ ص ١٧٢.
(٢) المفردات في غريب القرآن ص ٥٠.