وأقبل جبريل إلى إبليس ، فلما رآه ـ وكانت يده في يد رجل من المشركين ـ انتزع إبليس يده فولى مدبرا هو وشيعته.
فقال الرجل : يا سراقة تزعم أنك لنا جار؟ قال : (إِنِّي أَرى ما لا تَرَوْنَ ، إِنِّي أَخافُ اللهَ ، وَاللهُ شَدِيدُ الْعِقابِ) وذلك حين رأى الملائكة.
ثم قال : وحدثنا أحمد بن الفرج ، قال : حدثنا عبد الملك بن عبد العزيز الماجشون ، قال : حدثنا مالك ، عن إبراهيم بن أبى عبلة ، عن طلحة بن عبد بن عبيد الله بن كريز : أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «ما رئي إبليس يوما هو فيه أصغر ولا أحقر ولا أغيظ ولا أدحر من يوم عرفة وذلك مما يرى من تنزيل الرحمة والعفو عن الذنوب ، إلا ما رأى يوم بدر» قالوا : يا رسول الله ، وما رأى يوم بدر؟ قال : أما إنه رأى جبريل يزع الملائكة أى : يرتبهم ويسويهم ويصفهم للحرب» (١).
وقد سار ـ ابن جرير وابن كثير ـ في تفسيرهما للآية على أن التزيين من الشيطان كان حسيا.
فابن جرير يقول. بعد أن ذكر بضع روايات في تفسير الآية : فتأويل : وإن الله لسميع عليم في هذه الأحوال ، وحين زين لهم الشيطان خروجهم إليكم. أيها المؤمنون لحربكم وقتالكم ، وحسن ذلك لهم ، وحثهم عليكم وقال لا غالب لكم اليوم ، من بنى آدم ، فاطمئنوا وأبشروا وإنى جار لكم من كنانة أن تأتيكم من ورائكم ... واجعلوا جدكم وبأسكم على محمد وأصحابه (فَلَمَّا تَراءَتِ الْفِئَتانِ) يقول : فلما تزاحفت جنود الله من المؤمنين ، وجنود الشيطان من الكافرين ، ونظر بعضهم إلى بعض (نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ) أى : رجع القهقرى على قفاه هاربا .. وقال للمشركين (إِنِّي أَرى ما لا تَرَوْنَ) يعنى أنه يرى الملائكة الذين بعثهم الله مددا للمؤمنين ، والمشركون لا يرونهم (٢).
وابن كثير يقول : وقوله ـ تعالى ـ (وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ ...) الآية.
أى : حسن لهم ـ لعنه الله ـ ما جاءوا له ، وما هموا به. وذلك أنه تبدى لهم في صورة سراقة بن مالك بن جعشم سيد بنى مدلج .. ثم قال : فلما رأى إبليس الملائكة (نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ) وقال إنى برىء منكم إنى أرى ما لا ترون ، وهو في صورة سراقة ، وأقبل أبو جهل يحض أصحابه ويقول لهم : لا يهولنكم خذلان سراقة إياكم ، فإنه كان على موعد من محمد وأصحابه ..» (٣).
ومن هذا يتضح أن هذين الإمامين الجليلين يسيران في تفسيرهما للآية الكريمة ، على أن
__________________
(١) تفسير ابن جرير ج ١٠ ص ١٨ ، وتفسير ابن كثير ج ـ ٢ ص ٣١٧.
(٢) تفسير ابن جرير ج ١٠ ص ٢٠.
(٣) تفسير ابن كثير ج ٢ ص ٣١٧ ، ص ٣١٨.