(فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) (١). وبقوله (وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً) (٢).
فقد كانت هذه ـ أى الآية التي معنا وهي قوله ـ تعالى ـ (وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ ...) ـ قبل براءة. كان النبي صلىاللهعليهوسلم يوادع القوم إلى أجل ، فإما أن يسلموا ، وإما أن يقاتلهم ، ثم نسخ ذلك بعد في براءة فقال : (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ).
وعن عكرمة والحسن البصري قالا : (وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ ...) نسختها الآية التي في براءة وهي قوله ـ تعالى ـ (قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ ...) الآية (٣).
ثم قال ابن جرير : فأما ما قاله قتادة ومن قال مثل قوله من أن هذه الآية منسوخة ، فقول لا دلالة عليه من كتاب ولا ثم قال ابن جرير : فأما ما قاله قتادة ومن قال مثل قوله من أن هذه الآية منسوخة ، فقول لا دلالة عليه من كتاب ولا سنة ولا فطرة عقل.
لأن قوله (وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها ..) إنما عنى به بنو قريظة ـ كما قال مجاهد ـ وكانوا يهودا أهل كتاب وقد أذن الله ـ جل ثناؤه ـ للمؤمنين بصلح أهل الكتاب ، ومتاركتهم الحرب ، على أخذ الجزية منهم ، وأما قوله : (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ ..) فإنما عنى به مشركو العرب من عبدة الأوثان ، الذين لا يجوز قبول الجزية منهم ، فليس في إحدى الآيتين نفى حكم الأخرى ، بل كل واحدة منهما محكمة فيما أنزلت فيه .. (٤).
هذا ما يراه ابن جرير. أما ابن كثير فقد وافقه على أن الآية ليست منسوخة ، وخالفه في أن المقصود بها بنو قريظة ، فهو يرى أن الآية عامة فقد قال ـ رحمهالله ـ :
قوله : (وَإِنْ جَنَحُوا) أى : مالوا (لِلسَّلْمِ) أى المسالمة والمصالحة والمهادنة (فَاجْنَحْ لَها) أى : فمل إليها واقبل منهم ذلك. ولهذا لما طلب المشركون عام الحديبية الصلح ووضع الحرب بينهم وبين رسول الله صلىاللهعليهوسلم تسع سنين أجابهم إلى ذلك مع ما اشترطوا من الشروط الأخر ...
وقال مجاهد : نزلت في بنى قريظة ، وهذا فيه نظر ، لأن السياق كله في موقعة بدر ، وذكرها مكتنف لها كله.
وقال ابن عباس ومجاهد وزيد بن أسلم وعطاء الخراساني وعكرمة والحسن وقتادة : إن الآية منسوخة بآية السيف في براءة ، وهي قوله ـ تعالى ـ (قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ).
__________________
(١) سورة براءة «التوبة» الآية ٥.
(٢) سورة براءة «التوبة» الآية ٣٦.
(٣) سورة براءة «التوبة» الآية ٢٩.
(٤) تفسير ابن جرير ج ١٠ ص ٣٤.