إبراهيم إذ قال (فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (١) وكمثل عيسى إذ قال : (إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (٢).
وإن مثلك يا عمر كمثل نوح إذ قال : (رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً) (٣) ، وكمثل موسى إذ قال : (رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ ، فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ) (٤).
ثم قال صلىاللهعليهوسلم : «أنتم عالة فلا ينفلتن أحد إلا بفداء أو ضربة عنق».
قال ابن مسعود : فقلت يا رسول ، إلا سهيل بن بيضاء ، فإنه يذكر الإسلام ، فسكت رسول الله ثم قال : «إلا سهيل بن بيضاء». وأنزل الله ـ عزوجل ـ (ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ ...) إلى آخر الآية (٥).
وقال ابن إسحاق ـ وهو يحكى أخبار غزوة بدر ـ : فلما وضع القوم أيديهم يأسرون ورسول الله صلىاللهعليهوسلم في العريش ، وسعد بن معاذ قائم على باب العريش الذي فيه رسول الله صلىاللهعليهوسلم متوشحا السيف ، في نفر من الأنصار يحرسون رسول الله ، يخافون عليه الكرة. ورأى رسول الله ـ فيما ذكر لي ـ في وجه سعد الكراهية لما يصنع الناس ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم «والله لكأنك يا سعد تكره ما يصنع القوم»؟ فقال : أجل والله يا رسول الله : كانت هذه أول وقعة أوقعها الله بأهل الشرك ، فكان الإثخان في القتل أحب إلى من استبقاء الرجال (٦).
قوله : (أَسْرى) : جمع أسير كقتلى جمع قتيل. وهو مأخوذ من الأسر بمعنى الشد بالإسار أى : القيد الذي يقيد به حتى لا يهرب ، ثم صار لفظ الأسير يطلق على كل من يؤخذ من فئته في الحرب ولو لم يشد بالإسار.
وقوله (يُثْخِنَ) من الثخانة وهي في الأصل الغلظ والصلابة. يقال : ثخن الشيء يثخن ثخونة وثخانة وثخنا ، أى : غلظ وصلب فهو ثخين ، ثم استعمل في الكناية والمبالغة في قتل العدو فقيل : أثخن فلان في عدوه. أى : بالغ في قتله وإنزال الجراحة الشديدة به ، لأنه بذلك يمنعه من الحركة فيصير كالثخين الذي لا يسيل ولا يتحرك.
__________________
(١) سورة إبراهيم الآية ٣٦.
(٢) سورة المائدة الآية ١١٨.
(٣) سورة نوح الآية ٢٦.
(٤) سورة يونس الآية ٨٨.
(٥) تفسير ابن كثير ج ٢ ص ٣٢٥.
(٦) الروض الأنف في شرح السيرة النبوية لابن هشام ج ٥ ص ١٠٦.