والمراد بالنبي في قوله (ما كانَ لِنَبِيٍ) : نبينا محمد صلىاللهعليهوسلم وإنما جيء باللفظ منكرا تلطفا به صلىاللهعليهوسلم حتى لا يواجه بالعتاب.
والمعنى : ما صح وما استقام لنبي من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام (أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى) من أعدائه الذين يريدون به وبدعوته شرا (حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ) أى : حتى يبالغ في قتلهم ، وإنزاله الضربات الشديدة عليهم إذلالا للكفر وإعزازا لدين الله.
وقوله : (تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا وَاللهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ) استئناف مسوق للعتاب.
والعرض ؛ ما لا ثبات له ولا دوام من الأشياء ، فكأنها تعرض ثم تزول ، والمراد بعرض الدنيا هنا : الفداء الذي أخذوه من أسرى غزوة بدر حتى يطلقوا سراحهم.
تريدون ـ أيها المؤمنون ـ بأخذكم الفداء من أعدائكم الأسرى عرض الدنيا ومتاعها الزائل ، وحطامها الذي لا ثبات له ، والله ـ تعالى ـ يريد لكم ثواب الآخرة.
فالكلام في قوله : (وَاللهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ) على حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه والإرادة هنا بمعنى الرضا أى : والله ـ تعالى ـ يرضى لكم العمل الذي يجعلكم تظفرون بثوابه في الآخرة ، وهو تفضيل إذلال الشرك على أخذ الفداء من أهله.
وقوله : (وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) أى : والله ـ تعالى ـ (عَزِيزٌ) لا يغالب بل هو الغالب على أمره (حَكِيمٌ) في كل ما يأمر به أو ينهى عنه.
فالآية الكريمة تعتب على المؤمنين ، لأنهم آثروا الفداء على القتل والإثخان في الأرض ، وذلك لأن غزوة بدر كانت أول معركة حاسمة بين الشرك والإيمان ، وكان المسلمون فيها قلة والمشركون كثرة ، فلو أن المسلمين آثروا المبالغة في إذلال أعدائهم عن طريق القتل لكان ذلك أدعى لكسر شوكة الشرك وأهله ، وأظهر في إذلال قريش وحلفائها ، وأصرح في بيان أن العمل على إعلاء كلمة الله كان عند المؤمنين فوق متع الدنيا وأعراضها ، وأنهم لا يوادون من حارب الله ورسوله مهما بلغت درجة قرابته ، وهذا ما عبر عنه عمر ـ رضى الله عنه ـ بقوله : «وحتى يعلم الله أن ليس في قلوبنا هوادة للمشركين».
والخلاصة أن غزوة بدر ـ بظروفها وملابساتها التي سبق أن أشرنا إليها ـ كان الأولى بالمسلمين فيها أن يبالغوا في قتل أعدائهم لا أن يقبلوا منهم فداء حتى يذلوهم ويعجزوهم عن معاودة الكرة.
ورضى الله ـ تعالى ـ عن «سعد بن معاذ» فقد ظهرت الكراهية على وجهه بسبب أخذ الفداء من الأسرى ، وقال ـ كما سبق أن بينا ـ : «.. كانت غزوة بدر ـ أول وقعة أوقعها الله بأهل الشرك ، فكان الإثخان في القتل أحب إلىّ من استبقاء الرجال».