أما الإمام ابن جرير فهو يرى : أن الآية خبر عام غير محصور على معنى دون معنى ، وأنه لا وجه لأن يخص من ذلك معنى دون معنى .. فقال : يقول الله ـ تعالى ـ لأهل بدر الذين أخذوا من الأسرى الفداء (لَوْ لا كِتابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ ..).
أى : لو لا قضاء من الله سبق لكم أهل بدر في اللوح المحفوظ بأن الله يحل لكم الغنيمة ، وأن الله قضى أنه لا يضل قوما بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون ، وأنه لا يعذب أحدا شهد هذا المشهد الذي شهدتموه ببدر .. لو لا كل ذلك لنالكم من الله بأخذكم الفداء عذاب عظيم» (١).
ويبدو لنا أن ما ذهب إليه ابن جرير ـ من أن الآية خبر عام يشمل كل هذه المعاني ـ أولى بالقبول ، لأنه لم يوجد نص صحيح عن النبي صلىاللهعليهوسلم يحدد تفسير المراد من هذا الكتاب السابق في علمه ـ تعالى ـ.
ولعل الحكمة في هذا الإبهام لتذهب الأفهام فيه إلى كل ما يحتمله اللفظ ، ويدل عليه المقام ، ولكي يعرفوا أن أخذهم الفداء كان ذنبا يستحقون العقوبة عليه لو لا أن الله ـ تعالى ـ قدر في الأزل العفو عنهم بسبب وجود النبي صلىاللهعليهوسلم فيهم ، ولأنهم قد أخطئوا في اجتهادهم ، ولأنهم لم يتقدم لهم نهى عن ذلك ، ولأنهم قد شهدوا هذه الغزوة التي قال الرسول في شأن من حضرها على لسان ربه ـ عزوجل ـ : «اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم».
فقد روى الشيخان وغيرهما أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال لعمر في قصة حاطب بن أبى بلتعة عند ما أخبر المشركين بأن الرسول سيغزوهم قبل فتح مكة وكان حاطب قد شهد بدرا : «وما يدريك لعل الله ـ تعالى ـ اطلع على أهل بدر وقال : «اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم» (٢).
والمعنى الإجمالى للآية الكريمة : (لَوْ لا كِتابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ) أى : لو لا حكم من الله ـ تعالى ـ سبق منه في الأزل ألا يعذب المخطئ على اجتهاده أو ألا يعذب قوما قبل تقديم البيان إليهم .. ولو لا كل ذلك (لَمَسَّكُمْ) أى لأصابكم (فِيما أَخَذْتُمْ) أى بسبب ما أخذتم من الفداء قبل أن تؤمروا به (عَذابٌ عَظِيمٌ) لا يقادر قدره في شدته وألمه.
قال ابن جرير : قال ابن زيد : لم يكن من المؤمنين أحد ممن نصر إلا أحب الغنائم إلا عمر بن الخطاب ، جعل لا يلقى أسيرا إلا ضرب عنقه وقال : يا رسول الله مالنا
__________________
(١) تفسير ابن جرير ج ١٠ ص ٤٤.
(٢) تفسير الآلوسى ج ١٠ ص ٣٥.