أى : وإن يرد هؤلاء الأسرى نقض عهودهم معك ـ يا محمد ـ والاستمرار في محاربتك ومعاداتك .. فلا تهتم بهم ، ولا تجزع من خيانتهم فهم قد خانوا الله ـ تعالى ـ من قبل هذه الغزوة بكفرهم وجحودهم لنعمه فكانت نتيجة ذلك أن أمكنك منهم ، وأظفرك بهم ، وسينصرك عليهم بعد ذلك كما نصرك عليهم في بدر ، والله ـ تعالى ـ عليم بما يسرونه وما يعلنونه ، حكيم في تدبيره وصنعه.
فالآية الكريمة إنذار للأسرى إذا ما استحبوا العمى على الهدى ، وتبشير للرسول صلىاللهعليهوسلم بأن خيانتهم ستكون وبالها عليهم.
قال الفخر الرازي : وقوله (فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ) قال الأزهرى : يقال أمكننى الأمر يمكنني فهو ممكن ومفعول الإمكان محذوف.
والمعنى : فأمكن المؤمنين منهم ، أى : أنهم خانوا الله بما أقدموا عليه من محاربة الرسول يوم بدر. فأمكن الله منهم قتلا وأسرا ، وذلك نهاية الإمكان والظفر. فنبه الله بذلك على أنهم قد ذاقوا وبال ما فعلوه ، فإن عادوا كان التمكين منهم ثابتا حاصلا ، وفيه بشارة للرسول صلىاللهعليهوسلم أنه يتمكن من كل من يخونه وينقض عهده» (١).
هذا ، ومن الأحكام والآداب التي حدثت عن أسرى غزوة بدر ما يأتى :
١ ـ أن على المؤمنين في كل زمان ومكان أن يجعلوا جهادهم خالصا لوجه الله ومن أجل إعلاء كلمته ونصرة دينه ، وذلك بأن يبالغوا في قتال أعدائه وأعدائهم إذلالا للكفر وإعزازا للحق ، وأن يؤثروا كل ذلك على أعراض الدنيا ومتعها.
٢ ـ أن أخذ الفداء من الأسرى لا شيء فيه في ذاته ، وإنما عاتب الله المؤمنين على أخذه من أسرى بدر ، لأن هذه الغزوة كانت المعركة الأولى بين المؤمنين والمشركين ، وكان إذلال المشركين فيها عن طريق المبالغة في قتلهم أهم من أخذ الفداء منهم ، وأظهر في كسر شوكتهم ، وعجزهم عن معاودة الكرة على المسلمين.
قال ابن كثير. وقد استقر الحكم في الأسرى عند جمهور العلماء ، أن الإمام مخير فيهم ، إن شاء قتل ـ كما فعل ببني قريظة ـ وإن شاء فادى بمال ـ كما فعل بأسرى بدر ـ أو بمن أسر من المسلمين ، كما فعل رسول الله صلىاللهعليهوسلم في تلك الجارية وابنتها اللتين كانتا في سبى سلمة بن الأكوع ، حيث ردهما وأخذ في مقابلتهما من المسلمين الذين كانوا عند المشركين ، وإن شاء استرق من أسر.
__________________
(١) تفسير الفخر الرازي ج ١٥ ص ٢٠٦.