الهجرة الأولى ، وقيل المراد بهذا القسم المهاجرون بعد صلح الحديبية ، أو بعد غزوة بدر ، أو بعد نزول هذه الآية ، فيكون الفعل الماضي (آمَنُوا) وما بعده بمعنى المستقبل.
وقوله : (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ ..) بيان لحقوق الأقارب بالنسب والأرحام جمع رحم ، وأصله رحم المرأة الذي هو موضع تكوين الولد في بطنها ، وسمى به الأقارب ، لأنهم في الغالب من رحم واحدة وأولو الأرحام في اصطلاح علماء الفرائض : هم الذين لا يرثون بفرض ولا تعصيب.
أى : وذوو القرابة بعضهم أولى في التوارث وفي غير ذلك مما تقتضيه مطالب الحياة من التكافل والتراحم.
وقوله : (فِي كِتابِ اللهِ) أى : في حكمه الذي كتبه على عباده المؤمنين ، وأوجب به عليهم صلة الأرحام في هذه الآية وغيرها.
قال الآلوسى : «أخرج الطيالسي والطبراني وغيرهما عن ابن عباس قال : آخى رسول الله صلىاللهعليهوسلم بين أصحابه ، وورث بعضهم من بعض حتى نزلت هذه الآية فتركوا ذلك وتوارثوا بالنسب» (١).
أى أن هذه الآية الكريمة نسخت ما كان بين المهاجرين والأنصار من التوارث بسبب الهجرة والمؤاخاة.
وقوله : (إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) تذييل ختمت به السورة الكريمة لحض المؤمنين على التمسك بما اشتملت عليه من آداب وتشريعات وأحكام لينالوا رضاه وثوابه.
أى : إن الله ـ تعالى ـ مطلع على كل شيء مما يدور ويجرى في هذا الكون ، ولا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء ، وسيجازى الذين أساؤوا بما عملوا ، ويجازى الذين أحسنوا بالحسنى.
وبذلك نرى الآيات الكريمة قد مدحت المهاجرين والأنصار مدحا عظيما ، كما مدحت المؤمنين من بعدهم ، وحضت على الجهاد في سبيل الله ، وأمرت بالوفاء بالعهود ، وبالوقوف صفا واحدا في وجه الكفار حتى تكون كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا هي السفلى.
وبعد : فهذا ما وفق الله إليه في تفسير سورة الأنفال ، أو سورة بدر ـ كما سماها ابن عباس ـ لأنها تحدثت باستفاضة عن أحداث هذه الغزوة وعن أحوال المشتركين فيها ، وعن
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ١٠ ص ٣٩.