وقال الأخنس بن شريق لبنى زهرة ، يا بنى زهرة قد نجى الله لكم أموالكم فارجعوا فرجعوا فلم يشهد غزوة بدر زهري واحد.
ومضت قريش حتى نزلوا بالعدوة القصوى من الوادي : وبعث الله السماء بالماء فأصاب المسلمون منه ما لبد لهم الأرض ولم يمنعهم من المسير ، وأصاب قريشا منه ما لم يقدروا على أن يرتحلوا معه فخرج رسول الله صلىاللهعليهوسلم يبادرهم إلى الماء ، حتى إذا جاء ماء نزل به ..
فقال الحباب بن المنذر يا رسول الله؟ أهذا منزل أنزلكه الله ليس لنا أن نتقدمه ولا نتأخر عنه ، أم هو الرأى والمكيدة والحرب؟.
فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : بل هو الرأى والمكيدة والحرب.
فقال الحباب يا رسول الله ، فإن هذا ليس بمنزل ، فانهض بالناس حتى تأتى أدنى ماء من القوم فنزله ، ثم نغور ما وراءه من القلب ـ أى : ثم نغطى ما خلفه من الآبار ـ ثم نبنى عليه حوضا فنملؤه ماء ، ثم نقاتل القوم فنشرب ولا يشربون.
فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم «لقد أشرت بالرأى» ثم نهض ومعه الناس فسار حتى إذا أتى أدنى ماء من القوم نزل عليه ، ثم أمر بالقلب فغورت وبنى حوضا على القليب الذي نزل عليه فملىء ماء. ثم قال سعد بن معاذ يا رسول الله ، ألا نبنى لك عريشا تكون فيه ، ونعد عندك ركائبك ثم نلقى عدونا ، فإن أعزنا الله وأظهرنا على عدونا. كان ذلك ما أحببنا ، وإن كانت الأخرى ، جلست على ركائبك فلحقت بمن وراءنا. فقد تخلف عنك أقوام ـ يا نبي الله ما نحن بأشد لك حبا منهم ، ولو ظنوا أنك تلقى حربا ما تخلفوا عنك.
فأثنى عليه رسول الله صلىاللهعليهوسلم ودعا له بخير ، ثم بنى لرسول الله عريش فكان فيه.
ثم ارتحلت قريش حين أصبحت ، فلما رآها رسول الله صلىاللهعليهوسلم قادمة من الكثيب إلى الوادي قال : «اللهم هذه قريش قد أقبلت بخيلائها وفخرها ، تحادك وتكذب رسولك اللهم فنصرك الذي وعدتني. اللهم أحثهم الغداة».
ثم أرسلت قريش عمير بن وهب الجمحي فقالوا له : احزر لنا أصحاب محمد ، فاستجال بفرسه حول العسكر ثم رجع إليهم فقال : هم ثلاثمائة رجل يزيدون قليلا أو ينقصون قليلا ..
ولقد رأيت ـ يا معشر قريش ـ البلايا تحمل المنايا ، نواضح يثرب تحمل الموت الناقع.
قوم ليس معهم منعة ولا ملجأ إلا سيوفهم. والله ما أرى أن يقتل رجل منهم حتى يقتل رجلا منكم ، فإذا أصابوا منكم أعدادهم فما خير العيش بعد ذلك ، فروا رأيكم.
فلما سمع حكيم بن حزام ذلك مشى في الناس ، فأتى عتبة بن ربيعة فقال : يا أبا الوليد