إنك كبير قريش وسيدها والمطاع فيها ، فهل لك إلى أن تفعل شيئا تذكر به بخير إلى آخر الدهر؟ فقال عتبة : وما ذاك يا حكيم؟
قال : ترجع بالناس وتحمل أمر حليفك عمرو بن الحضرمي ...
قال عتبة : قد فعلت .. ثم قام عتبة خطيبا في الناس فقال :
يا معشر قريش إنكم والله ما تصنعون بأن تلقوا محمدا وأصحابه شيئا ، والله لئن أصبتموه لا يزال الرجل ينظر في وجه رجل يكره النظر إليه. قتل ابن عمه أو ابن خاله .. فارجعوا وخلوا بين محمد وبين سائر العرب ؛ فإن أصابوه فذاك الذي أردتم ، وإن كان غير ذلك ألفاكم ولم تعرضوا منه ما تريدون ..
وبلغ كلام عتبة أبا جهل فسبه .. ثم بعث أبو جهل إلى ابن الحضرمي فقال له : هذا حليفك عتبة يريد أن يرجع بالناس ، وقد رأيت ثارك بعينك ، فقم فانشد خفرتك ومقتل أخيك ـ أى : فقم فاطلب من الناس الوفاء بالعهد والأخذ بثأر أخيك ..
فقام ابن الحضرمي فاكتشف ثم صرخ : وا عمراه ، وا عمراه ، فحميت الحرب ، واشتد أمر الناس ، واستوثقوا على ما هم عليه من الشر ، وأفسد أبو جهل الرأى الذي دعا عتبة الناس إليه ..
قال ابن إسحاق : ثم خرج الأسود بن عبد الأسد المخزومي ـ وكان شرسا سيئ الخلق ـ فقال : أعاهد الله لأشربن من حوضهم أو لأهدمنه ، أو لأموتن دونه فلما دنا منه خرج إليه حمزة بن عبد المطلب. فلما التقيا ضربه حمزة فأطن قدمه بنصف ساقه ـ أى. أطارها ـ وهو دون الحوض ، فوقع على ظهره تشخب رجله دما نحو أصحابه. ثم حبا إلى الحوض حتى اقتحم فيه ، فضربه حمزة حتى قتله في الحوض ..
ثم خرج عتبة بين أخيه شيبة وابنه الوليد بن عتبة .. فنادى يا محمد : أخرج إلينا أكفاءنا من قومنا. فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم قم يا عبيدة وقم يا حمزة وقم يا على .. أما حمزة فلم يمهل شيبة أن قتله ، وأما على فلم يمهل الوليد أن قتله ، واختلف عبيدة وعتبة بينهما ضربتين كلاهما أثبت صاحبه ـ أى : جرحه جرحا شديدا لا يملك معه الحركة ـ وكر حمزة وعلى بأسيافهما على عتبة فأجهزا عليه ، واحتملا عبيدة فحازاه إلى أصحابه.
قال ابن إسحاق : ثم تزاحف الناس ، ودنا بعضهم من بعض ، وقد أمر رسول الله الناس أن لا يحملوا حتى يأمرهم ، وقال : «إن اكتنفكم القوم فانضحوهم عنكم بالنبل» ...
ثم عدل رسول الله صلىاللهعليهوسلم الصفوف ، ورجع إلى العريش فدخله ـ ومعه أبو بكر الصديق .. وأخذ الرسول صلىاللهعليهوسلم يناشد ربه ويقول فيما يقول : «اللهم إن تهلك هذه