بأن تلك الأشهر كانت حرزا لأولئك المعاهدين عن غوائل أيدى المسلمين فنيط قتالهم بزوالها» (١).
والمراد بالأشهر الحرم : أشهر الأمان الأربعة التي سبق ذكرها في قوله ، تعالى ، (فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ) ، وعليه فتكون أل في قوله (الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ) للعهد الذكرى.
وسميت حرما لأنه. سبحانه. جعلها فترة أمان للمشركين ، ونهى المؤمنين عن التعرض لهم فيها.
ووضع ـ سبحانه ـ المظهر موضع المضمر حيث لم يقل فإذا انسلخت ، ليكون ذريعة إلى وصفها بالحرمة ، تأكيدا لما ينبئ عنه إباحة السياحة من حرمة التعرض لهم ، مع ما فيه من مزيد الاعتناء بشأنها.
وقيل المراد بالأشهر الحرم هنا : الأشهر المعروفة وهي رجب ، وذو القعدة ، وذو الحجة ، والمحرم ، روى ذلك عن ابن عباس والضحاك والباقر واختاره ابن جرير.
قال ابن كثير : وفيه نظر ، والذي يظهر من حيث السياق ما ذهب إليه ابن عباس في رواية العوفى عنه وبه قال مجاهد ، وعمرو بن شعيب ، وابن إسحاق ، وقتادة والسدى وعبد الرحمن ابن زيد بن أسلم أن المراد بها أشهر التيسير الأربعة المنصوص عليها بقوله : (فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ) ، ثم قال (فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ) أى : إذا انقضت الأشهر الأربعة التي حرمنا عليكم فيها قتالهم ، وأجلناهم فيها فحيثما وجدتموهم فاقتلوهم ، لأن عود العهد على مذكور أولى من مقدر ، ثم إن الأشهر الأربعة المحرمة سيأتى بيان حكمها في آية أخرى وهي قوله ـ تعالى ـ (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً ...) (٢).
والمراد بالمشركين في قوله : (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) أولئك الخائنون الذين انتهت مدة الأمان لهم ، أما الذين لم يخونوا ولهم عهود مؤقتة بمدة معينة فلا يحل للمسلمين قتالهم ، إلا بعد انتهاء هذه المدة ، كما سبق أن بينا قبل قليل تفسير قوله ـ تعالى ـ : (إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئاً وَلَمْ يُظاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَداً فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلى مُدَّتِهِمْ ...).
والمعنى : فإذا انتهت هذه الأشهر الأربعة التي جعلها الله مهلة للخائنين ، فاقتلوا ـ أيها المؤمنون ـ أعداءكم المشركين (حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) أى : في أى مكان تجدونهم فيه
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ١٠ ص ٤٤. طبعة منير الدمشقي.
(٢) تفسير ابن كثير ج ٢ ص ٣٣٥ ـ بتصرف يسير ـ.