٥ ـ تكلم العلماء عمن له حق إعطاء الأمان للمستأمن فقال القرطبي : «ولا خلاف بين كافة العلماء أن أمان السلطان جائز ؛ لأنه مقدم النظر والمصلحة. نائب عن الجميع في جلب المصالح ودفع المضار. واختلفوا في أمان غير الخليفة ، فالحر يمضى أمانه عند كافة العلماء. وأما العبد فله الأمان في مشهور مذهب المالكية وبه قال الشافعى وأحمد.
وقال أبو حنيفة : لا أمان له. والأول أصح لقوله صلىاللهعليهوسلم «المسلمون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم».
قالوا : فلما قال «أدناهم» جاز أمان العبد ... (١).
وقال بعض العلماء : هذه الآية كانت أصلا عند الفقهاء في إباحة تأمين المشرك ، وقد توسع الإسلام في باب الأمان فقرر به عصمة المستأمن ، وأوجب على المسلمين حمايته مادام في دار الإسلام ، وجعل للمسلمين حق إعطاء ذلك الأمان ، ولم يشترط في ذلك إلا ما يضمن على المسلمين سلامتهم ، بأن لا تظهر على المستأمن مظاهر الركون إلى التجسس على المسلمين.
ولا ينسى الإسلام ـ وهو يعطى هذا الحق للأفراد ـ حق الإمام المهيمن على شئون المسلمين ، بل جعل له بمقتضى هيمنته العامة ، وتقديره لوجوه المصلحة ، حق إبطال أى أمان لم يصادف محله ، أو لم يستوف شروطه ، كما له أن ينتزع ذلك الحق من الأفراد متى رأى المصلحة في ذلك.
والإسلام يبيح بهذا الأمان التبادل التجارى والصناعى والثقافى ، وفي سائر الشئون ما لم يتصل شيء منها بضرر الدولة (٢).
٦ ـ هذه الآية الكريمة تشهد بسمو تعاليم الإسلام وسماحتها وحرصها على هداية الناس إلى الحق ، وعلى صيانة دمائهم وأموالهم وأعراضهم من العدوان عليها .. حتى ولو كان هؤلاء الناس من أعداء الإسلام.
وقد بسط هذا المعنى بعض العلماء فقال ما ملخصه : إن هذه الآية تعنى أن الإسلام حريص على كل قلب بشرى أن يهتدى وأن يثوب ، وأن المشركين الذين يطلبون الجوار والأمان في دار الإسلام يجب أن يعطوا الجوار والأمان ذلك أنه في هذه الحالة آمن حربهم وتجمعهم وتألبهم عليه ، فلا ضير إذن من إعطائهم فرصة سماع القرآن ومعرفة هذا الدين ، لعل قلوبهم أن تتفتح وتستجيب وحتى إذا لم تستجب فقد أوجب الله لهم على أهل دار الإسلام أن يحرسوهم بعد إخراجهم حتى يصلوا إلى بلد يأمنون فيه على أنفسهم.
__________________
(١) تفسير القرطبي ج ٨ ص ٨٦.
(٢) تفسير القرآن الكريم ص ٦٢٢ لفضيلة الإمام الأكبر الشيخ محمود شلتوت.