ولهذا بعث رسول الله صلىاللهعليهوسلم عليا صحبة أبى بكر رضى الله عنهما ـ عامئذ ، وأمره أن ينادى في المشركين : أن لا يحج بعد هذا العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان. فأتم الله ذلك وحكم به شرعا وقدرا (١).
وقوله : (وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شاءَ) بشارة من الله تعالى للمؤمنين بأن سيعطيهم من فضله ما يغنيهم عن المشركين.
والعيلة : الفقر والفاقة : يقال : عال الرجل يعيل عيلة فهو عائل إذا افتقر ، ومنه قول الشاعر :
وما يدرى الفقير متى غناه |
|
وما يدرى الغنى متى يعيل |
وقرئ «عائلة» بمعنى المصدر كالعافية : اسم فاعل صفة لموصوف مؤنث مقدر أى : حالا عائلة.
قال ابن جرير ـ بعد أن ساق روايات في سبب نزول الآية ـ : عن عطية العوفى قال : لما قيل «ولا يحج بعد العام مشرك» قالوا : قد كنا نصيب من بياعاتهم في الموسم ، قال فنزلت (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هذا ، وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ ...) الآية (٢).
والمعنى : لا تمكنوا أيها المؤمنون. المشركين من دخول المسجد الحرام بعد هذه السنة ، لأنهم نجس .. ولا تخشوا الفقر والفاقة بسبب عدم تمكينهم ، حيث إنكم تتبادلون معهم التجارات والمبايعات .. لأن الله ـ تعالى ـ قد وعدكم أن يغنيكم من فضله بالعطايا والخيرات التي تكفيكم أمر معاشكم ..
وقد أنجز الله ـ تعالى ـ لهم وعده ، فأرسل السماء عليهم مدرارا ، وفتح لهم البلاد ، فكثرت بين أيديهم الغنائم وألوان الخيرات ، ودخل في دين الله من هم أيسر حالا وأغنى مالا من هؤلاء المشركين ..
قال صاحب الكشاف : قوله : (فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ) أى : من عطائه أو من تفضله بوجه آخر ، فأرسل عليهم السماء مدرارا ، فأغزر بها خيرهم ، وأكثر مسيرهم. وأسلم أهل تبالة (٣) وجرس فحملوا إلى مكة الطعام وما يعاش به : فكان أعود عليهم مما خافوا العيلة لفواته» (٤).
__________________
(١) تفسير ابن كثير ج ٢ ص ٦٨.
(٢) تفسير ابن جرير ج ١٠ ص ١٠٧.
(٣) تبالة : بلد باليمن خصبة ومثلها جرس.
(٤) تفسير الكشاف ج ٢ ص ٢٦٠.