وروى الإمام أحمد وأبو داود من حديث عبد الله بن مسعود قال : كنا نغزو مع رسول الله ، فنصيب من آنية المشركين وأسقيتهم فنستمتع بها ولا يعيب ذلك علينا ...» (١).
٣ ـ اختلف الفقهاء في المراد بالمسجد الحرام في قوله ـ تعالى ـ (فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هذا ...).
فقال ابن عباس وابن جبير ومجاهد وعطاء : المراد به الحرم كله فيشمل المسجد الحرام ومكة ، لأن المسجد الحرام حيث أطلق في القرآن فالمراد به الحرم كله. وعليه فالكافر يمنع من دخول الحرم كله ..
ويرى الشافعى أن المراد المسجد الحرام بخصوصه أخذا بظاهر اللفظ.
قال القرطبي : وقال الشافعى : الآية عامة في سائر المشركين ، خاصة في المسجد الحرام ، ولا يمنعون من دخول غيره ، فأباح دخول اليهودي والنصراني في سائر المساجد» (٢).
ويرى الإمام مالك أن المراد المسجد الحرام بالنص وبقية المساجد تقاس عليه ، لأن العلة ـ وهي النجاسة ـ موجودة في المشركين ، والحرمة موجودة في كل مسجد.
وعليه فلا يجوز تمكينهم لا من المسجد الحرام ولا من غيره من المساجد.
ويرى الأحناف أن المراد بالمسجد الحرم كله ، إلا أن النهى هنا ليس منصبا على دخوله وإنما هو منصب على المنع من الحج والعمرة. ومن الحج إليه أى : لا تمكنوا ـ أيها المؤمنون ـ المشركين من الطواف بالمسجد الحرام بعد عامهم هذا.
قال الآلوسى : ويؤيده قوله ـ تعالى ـ (بَعْدَ عامِهِمْ هذا) ، فإن تقييد النهى يدل على اختصاص المنهي عنه بوقت من أوقات العام. أى : لا يحجوا ولا يعتمروا بعد حج عامهم هذا وهو عام تسعة من الهجرة .. ويدل عليه نداء على ـ كرم الله وجهه ـ يوم نادى ببراءة ألا لا يحج بعد عامنا هذا مشرك ، وكذا قوله ـ سبحانه ـ (وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً) أى : فقرا بسبب منعهم ، لما أنهم كانوا يأتون في الموسم بالمتاجر ، فإنه إنما يكون إذا منعوا من دخول الحرم كما لا يخفى.
ثم قال : والحاصل أن الإمام الأعظم يقول بالمنع عن الحج والعمرة ويحمل النهى عليه ، ولا يمنعون عنده من دخول المسجد الحرام ومن دخول سائر المساجد» (٣).
__________________
(١) راجع تفسير المنار ج ١٠ ص ٣٢٢ وما بعدها.
(٢) تفسير القرطبي ج ١٠ ص ١٠٥.
(٣) تفسير الآلوسى ج ١٠ ص ٦٨.