٤ ـ قال القرطبي : في هذه الآية دليل على أن تعلق القلب بالأسباب في الرزق جائز ، وليس ذلك بمناف للتوكل ، وإن كان الرزق مقدرا ، ولكنه علقه بالأسباب لتظهر القلوب التي تتعلق بالأسباب ، من القلوب التي تتوكل على رب الأرباب وقد تقدم أن السبب لا ينافي التوكل ، ففي الحديث الذي أخرجه البخاري أن الرسول صلىاللهعليهوسلم قال : «لو توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير ، تغدو خماصا وتروح بطانا» (١) ـ أى : تغدو صباحا وهي جياع ، وتعود عشية وهي ممتلئة البطون ـ.
هذا ، وبتدبر آيات السورة الكريمة ـ من أولها إلى هنا ـ نراها قد وضحت العلاقات النهائية بين المسلمين وعبدة الأوثان ، وفصلت كثيرا من الأحكام التي تخص الفريقين ، ومن ذلك أنها قررت :
١ ـ براءة الله ورسوله من عهود المشركين الذين مردوا على نقض المواثيق.
٢ ـ إعطاءهم مهلة مقدارها أربعة أشهر يتدبرون خلالها أمرهم ، دون أن يتعرض المسلمون لهم بسوء.
٣ ـ إعلان الناس جميعا يوم الحج الأكبر بهذه البراءة ..
٤ ـ أمر المؤمنين بإتمام مدة العهد لمن حافظ من المشركين على عهده.
٥ ـ بيان ما يجب على المؤمنين فعله إذا ما انقضت أشهر الأمان التي أعطيت للمشركين.
٦ ـ إرشاد المؤمنين إلى أن من الواجب عليهم تأمين المشرك المستجير بهم حتى يسمع كلام الله ، ويطلع على حقيقة الإسلام .. ثم توصيله إلى موضع أمنه إن لم يسلم.
٧ ـ بيان الأسباب التي تدعو إلى قتال المشركين ، وإلى وجوب البراءة منهم.
٨ ـ بيان بعض الحكم والأسرار التي من أجلها شرع الجهاد في الإسلام.
٩ ـ بيان أن المشركين ليسوا أهلا لعمارة مساجد الله .. وأن الذين هم أهل لذلك :
المؤمنون الصادقون.
١٠ ـ توجيه المؤمنين إلى أن إيمانهم يحتم عليهم أن يؤثروا محبة الله ورسوله على أى شيء آخر ، من الآباء والأبناء والإخوان.
١١ ـ تذكيرهم بجانب من نعم الله عليهم حيث نصرهم في مواطن كثيرة ونصرهم يوم غزوة حنين ، بعد أن هزموا في أول المعركة دون أن تنفعهم كثرتهم التي أعجبوا بها.
__________________
(١) تفسير القرطبي ج ٨ ص ١٠٧ ـ بتصرف يسير ـ