٥ ـ ولأن الآية الكريمة بمنطوقها الواضح ، وبتركيبها البليغ ، وبتوجيهها السامي ، تفيد أن السؤال إنما هو عن حكم الأنفال وعن المستحق لها .. أما القول بأن السؤال سؤال استعطاء وأن عن زائدة أو بمعنى من فهو تكلف لا ضرورة إليه.
والمعنى الواضح الجلى للآية الكريمة ـ كما سبق أن بينا ـ : يسألك بعض أصحابك يا محمد عن غنائم بدر كيف تقسم ، ومن المستحق لها؟ قل لهم : الأنفال لله يحكم فيها بحكمه ، ولرسوله يقسمها بحسب حكم الله فيها ، فهو ـ سبحانه ـ العليم بمصالح عباده ، الحكيم في جميع أقواله وأفعاله.
قال صاحب الكشاف : فإن قلت : ما وجه الجمع بين ذكر الله والرسول في قوله : (قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ)؟
قلت : معناه أن حكمها مختص بالله ورسوله ، يأمر الله بقسمتها على ما تقتضيه حكمته ، ويمتثل الرسول أمر الله فيها ، وليس الأمر في قسمتها مفوضا إلى رأى أحد ، والمراد : «أن الذي اقتضته حكمة الله وأمر به رسوله أن يواسى المقاتلة المشروط لهم التنفيل الشيوخ الذين كانوا عند الرايات ، فيقاسموهم على السوية ولا يستأثروا بما شرط لهم ، فإنهم إن فعلوا لم يؤمن أن يقدح ذلك فيما بين المسلمين من التحاب والتصافي» (١).
وقوله : (فَاتَّقُوا اللهَ وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) حض لهم على تقوى الله وامتثال أمره ، وإصلاح ذات بينهم ، وتحذير لهم من الوقوع في المعاصي والنزاع والخلاف.
وكلمة (ذاتَ) بمعنى حقيقة الشيء ونفسه ، ولا تستعمل إلا مضافة إلى الظاهر ، كذات الصدور ، وذات الشوكة.
وكلمة (بَيْنِكُمْ) ، من البين ، وهو مصدر بان يبين بينا ، متى بعد ، ويطلق على الاتصال والفراق ، أى : على الضدين ، ومنه قول الشاعر :
فو الله لو لا البين لم يكن الهوى |
|
ولو لا الهوى ما حس للبين آلف |
والمراد به في الآية الاتصال.
أى : فاتقوا الله ـ أيها المؤمنون ـ ، وأصلحوا نفس ما بينكم وهي الحال والصفة التي بينكم والتي تربط بعضكم ببعض وهي رابطة الإسلام. وإصلاحها يكون بما يقتضيه كمال الإيمان من الموادة والمصافاة ، وترك الاختلاف والتنازع ، والتمسك بفضيلة الإيثار.
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٢ ص ١٩٥ ، طبعة دار الكتاب العربي بيروت.