عفان ، وعبد الرحمن بن عوف وغيرهما ـ ومع هذا فلم يأمرهم بإنفاق كل ما زاد عن حاجتهم الضرورية.
قال القرطبي : قرر الشرع ضبط الأموال وأداء حقها ، ولو كان ضبط المال ممنوعا ، لكان حقه أن يخرج كله ، وليس في الأمة من يلزم هذا. وحسبك حال الصحابة وأموالهم ـ رضوان الله عليهم ـ وأما ما ذكر عن أبى ذر فهو مذهب له (١).
(ج) ما ورد من آثار في ذم الكنز والكانزين كان قبل أن تفرض الزكاة أو هو في حق من امتنع عن أداء حق الله في ماله.
قال صاحب الكشاف. فإن قلت فما تصنع في قوله صلىاللهعليهوسلم «من ترك صفراء أو بيضاء كوى بها».
قلت. كان هذا قبل أن تفرض الزكاة ، فأما بعد فرضيتها ، فالله أعدل وأكرم من أن يجمع عبده مالا من حيث أذن له فيه ، ويؤدى عنه ما أوجب عليه فيه ، ثم يعاقبه.
ولقد كان كثير من الصحابة كعبد الرحمن بن عوف وطلحة بن عبيد الله يقتنون الأموال ويتصرفون فيها ، وما عابهم أحد ممن أعرض عن القنية لأن الإعراض اختيار للأفضل ، والاقتناء مباح موسع لا يذم صاحبه ، ولكل شيء حد (٢)».
٤ ـ أن الإسلام وإن كان قد أباح للمسلم اقتناء المال ـ بعد أداء حق الله فيه ـ إلا أنه أمر أتباعه أن يكونوا متوسطين في حبهم لهذا الاقتناء ، حتى لا يشغلهم حب المال عن طاعة الله.
ورحم الله الإمام الرازي ، فقد قال عند تفسيره لهذه الآيات ما ملخصه ، اعلم أن الطريق الحق أن يقال ، الأولى أن لا يجمع الرجل الطالب للدين المال الكثير ، إلا أنه لم يمنع عنه في ظاهر الشرع. فالأول محمول على التقوى والثاني على ظاهر الفتوى.
أما بيان أن الأولى الاحتراز عن طلب المال الكثير فلوجوه منها :
أن كثرة المال سبب لكثرة الحرص في الطلب ، والحرص متعب للروح والنفس والقلب .. والعاقل هو الذي يحترز عما يتعب روحه ونفسه وقلبه. وأن كسب المال شاق شديد ؛ وحفظه بعد حصوله أشد وأشق وأصعب ، فيبقى الإنسان طول عمره تارة في طلب التحصيل ؛ وأخرى
__________________
(١) تفسير القرطبي ج ٨ ص ١٣١.
(٢) تفسير الكشاف ج ٢ ص ٢٦٨.